منتديات الحفظة للقرآن الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

نرحب بك ونتمنى لك قضاء أسعد الأوقات برفقتنا..

وإن شاء الله تستفيد وتفيد بما لديك..

نشكرك لانضمامك إلى كوكبتنا..
منتديات الحفظة للقرآن الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

نرحب بك ونتمنى لك قضاء أسعد الأوقات برفقتنا..

وإن شاء الله تستفيد وتفيد بما لديك..

نشكرك لانضمامك إلى كوكبتنا..
منتديات الحفظة للقرآن الكريم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات الحفظة للقرآن الكريم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شرح الاربعين نووية 2

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محبة الفردوس
عضو مميز
عضو مميز
محبة الفردوس


انثى عدد الرسائل : 706
تاريخ التسجيل : 19/05/2008

شرح الاربعين نووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: شرح الاربعين نووية 2   شرح الاربعين نووية 2 I_icon_minitimeالأحد يونيو 15, 2008 12:19 pm

شرح الاربعين نووية 2 1023dl

و هايدا القسم الثاني من الموضوع حتى تسهل عليكم قراءته...
عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما ، أن رجلا سأل رسول الله عليه وسلم فقال : " أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا ، أأدخل الجنة ؟ " ، قال : ( نعم ) . رواه مسلم
ومعنى حرّمت الحرام : اجتنبته،
ومعنى أحللت الحلال : فعلته معتقدا حلّه .

*** الشرح ***

لما أرسل الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، جعل الغاية من ابتعاثه الرحمة بالخلق ، والإرشاد إلى أقصر الطرق الموصلة إلى رضى الربّ ، وإذا رأينا قوله تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الحج : 107 ) ، تداعى إلى أذهاننا الكثير من الصور التي تؤكّد هذا المعنى ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يدّخر جهدا في إنقاذ البشرية من الضلال ، وتبصيرهم بالهدى والحق
وتحقيق هذا الهدف يتطلّب الإدراك التام لما عليه البشر من تنوّع في القدرات والطاقات ، إذ من المعلوم أن الناس ليسوا على شاكلة واحدة في ذلك ، بل يتفاوتون تفاوتا كبيرا ، فلئن كان في الصحابة من أمثال الصدّيق و الفاروق وغيرهم من قادات الأمة الذين جاوزت همتهم قمم الجبال وأعالي السحاب ، فإن منهم – في المقابل – الأعرابي في البادية ، والمرأة الضعيفة ، وكبير السنّ ، وغيرهم ممن هم أدنى همّة وأقل طموحا من أولئك الصفوة
ولذلك نرى – في الحديث الذي نتناوله – هذا الصحابي ، وقد أتى ليسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سؤال المشتاق إلى ما أعده الله تعالى لعباده المتقين في الجنة ، ومسترشدا عن أقصر الطرق التي تبلغه منازلها ، فقال : " أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا ، أأدخل الجنة ؟ ".
إن هذا السؤال قد ورد على ألسنة عدد من الصحابة رضوان الله عليهم بأشكال متعددة ، وعبارات متنوعة ، فقد ورد في صحيح البخاري و مسلم ، أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خمس صلوات في اليوم والليلة ) ، فقال : هل علي غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وصيام رمضان ) ، قال : هل علي غيره ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة ، قال : هل علي غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال : فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفلح إن صدق ) ، وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم ) رواه البخاري
ومما لا ريب فيه أن السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي نحن بصدده – كان دقيقا في اختياره للمنهج الذي رسمه لنفسه ؛ فإنه قد ذكر الصلوات المكتوبات ، وهي أعظم أمور الدين بعد الشهادتين ، بل إن تاركها بالكلية خارج عن ملة الإسلام ، كما جاء في الحديث الصحيح : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر )
وبعد الصلاة ذكر صوم رمضان ، وهو أحد أركان الإسلام العظام ، و مما أجمع عليه المسلمون ، وقد رتّب الله عليه أجراً كبيراً ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه )
ثم أكّد التزامه التام بالوقوف عند حدود الله وشرائعه ، متمثلا بتحليل ما أحله الله في كتابه ، وبيّنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، واجتناب ما ورد في هذين المصدرين من المحرمات ، مكتفيا بما سبق ، غير مستزيد من الفضائل والمستحبات الواردة
ولسائل أن يسأل : لماذا لم يرد ذكر للحج والزكاة في الحديث ، على الرغم من كونهما من أركان الإسلام ، ولا يقلان أهمية عن غيرهما ؟ والحقيقة أن الجواب على ذلك يحتاج منا إلى أن نعرف الفرق بين الحج والزكاة وبين غيرهما من العبادات ، فإن فرضيتهما لا تتناول جميع المكلفين ، فالحج لا يجب إلا على المستطيع ، كما قال الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } (آل عمران : 97 ) ، كذلك الزكاة لا تجب إلا على من ملك النصاب ، ونستطيع أن نقول أيضاً : إن هذا الحديث ربما ورد قبل أن تفرض الزكاة أو الحج ؛ فإن الحج قد فُرض في السنة الثامنة ، والزكاة وإن كانت قد فُرضت في مكة فإنها كانت عامة من غير تحديد النصاب ، ولم يأتي بيان النصاب إلا في المدينة ، ولعل هذا هو السر في عدم ذكرهما في الحديث
وهنا تأتي البشرى من النبي صلى الله عليه وسلم ، ليبين أن الالتزام بهذا المنهج الواضح ، كاف لدخول الجنة ، وهذا يعكس ما عليه الإسلام من يسر وسماحة ، وبعدٍ عن المشقّة والعنت ، فهو يسرٌ في عقيدته ، يسرٌ في عباداته وتكاليفه ، واقع ضمن حدود وطاقات البشر ، وهذا مما اختص الله تعالى به هذه الأمة دون سائر الأمم
لكن ثمة أمر ينبغي ألا نُغفل ذكره ، وهو أن التزام العبد بالطاعات وفق ما أمر الله به ، واجتناب المحرمات وتركها ، يحتاج إلى عزيمة صادقة ، ومجاهدة حقيقية للنفس ، وليس اتكالا على سلامة القلب ، وصفاء النية ، وليس اعتمادا على سعة رحمة الله فحسب ، لأن للجنة ثمنا ، وثمنها هو العمل الصالح كما قال الله تعالى : { وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } ( الزخرف : 72 ) ، فإذا صدقت نية العبد ، أورثته العمل ولابد
وعلى أية حال فإنه يجب على الدعاة إلى الله أن يفهموا طبيعة هذا الدين ؛ حتى يتمكّنوا من تربية الناس على مبادئه ، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الخير والصواب ، والحمد لله رب العالمين





شرح الاربعين نووية 2 1023dl



عن أبي عمرو سفيان بن عبدالله الثقفي ، رضي الله عنه قال : قلت : " يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا ، لا أسأل عنه أحدا غيرك " . قال : ( قل آمنت بالله ، ثم استقم ) رواه مسلم في صحيحه .

*** الشرح***

إن غاية ما يتطلع إليه الإنسان المسلم ، أن تتضح له معالم الطريق إلى ربّه ، فتراه يبتهل إليه في صلاته كل يوم وليلة أن يهديه الصراط المستقيم ، كي يتخذه منهاجا يسير عليه ، وطريقا يسلكه إلى ربه ، حتى يظفر بالسعادة في الدنيا والآخرة
ومن هنا جاء الصحابي الجليل سفيان بن عبدالله رضي الله عنه ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وانتهز الفرصة ليسأله عن هذا الشأن الجليل ، فجاءته الإجابة من مشكاة النبوة لتثلج صدره ، بأوضح عبارة ، وأوجز لفظ : ( قل آمنت بالله ، ثم استقم )
إن هذا الحديث على قلة ألفاظه ، يضع منهجا متكاملا للمؤمنين ، وتتضح معالم هذا المنهج ببيان قاعدته التي يرتكز عليها ، وهي الإيمان بالله : ( قل آمنت بالله ) ، فهذا هو العنصر الذي يغير من سلوك الشخص وأهدافه وتطلعاته ، وبه يحيا القلب ويولد ولادة جديدة تهيئه لتقبل أحكام الله وتشريعاته ، ويقذف الله في روحه من أنوار هدايته ، فيعيش آمنا مطمئنا ، ناعما بالراحة والسعادة ، قال الله تعالى مبينا حال المؤمن : { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } ( الأنعام : 122 ) ، فبعد أن كان خاوي الروح ، ميّت القلب ، دنيوي النظرة ، إذا بالنور الإيماني يملأ جنبات روحه ، فيشرق منها القلب ، وتسمو بها الروح ، ويعرف بها المرء حقيقة الإيمان ومذاقه
فإذا ذاق الإنسان حلاوة الإيمان ، وتمكنت جذوره في قلبه ، استطاع أن يثبت على الحق ، ويواصل المسير ، حتى يلقى ربّه وهو راض عنه ، ثم إن ذلك الإيمان يثمر له العمل الصالح ، فلا إيمان بلا عمل ، كما أنه لا ثمرة بلا شجر ، ولهذا جاء في الحديث : ( ثم استقم ) فرتّب الاستقامة على الإيمان ، فالاستقامة ثمرة ضرورية للإيمان الصادق ، ويجدر بنا في هذا المقام أن نستعرض بعضاً من جوانب الاستقامة المذكورة في الحديث
إن حقيقة الاستقامة ، أن يحافظ العبد على الفطرة التي فطره الله عليها ، فلا يحجب نورها بالمعاصي والشهوات ، مستمسكا بحبل الله ، كما قال ابن رجب رحمه الله : " والاستقامة في سلوك الصراط المستقيم ، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها : الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها " ، وهو بذلك يشير إلى قوله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ( الروم : 30 )
وقد أمر الله تعالى بالاستقامة في مواضع عدة من كتابه ، منها قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك } ( هود : 112 ) ، وبيّن سبحانه هدايته لعباده المؤمنين إلى طريق الاستقامة ، كما قال عزوجل : { وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم } ( الحج : 54 ) ، وجعل القرآن الكريم كتاب هداية للناس ، يقول الله تعالى في ذلك : { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } ( إبراهيم : 1 )
ولئن كانت الاستقامة تستدعي من العبد اجتهاداً في الطاعة ، فلا يعني ذلك أنه لا يقع منه تقصير أو خلل أو زلل ، بل لا بد أن يحصل له بعض ذلك ، بدليل أن الله تعالى قد جمع بين الأمر بالاستقامة وبين الاستغفار في قوله : { فاستقيموا إليه واستغفروه } ( فصلت : 6 ) ، فأشار إلى أنه قد يحصل التقصير في الاستقامة المأمور بها ، وذلك يستدعي من العبد أن يجبر نقصه وخلله بالتوبة إلى الله عزوجل ، والاستغفار من هذا التقصير ، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : ( استقيموا ولن تحصوا ) رواه أحمد ، وقوله أيضا : ( سددوا وقاربوا ) رواه البخاري
والمقصود منه المحاولة الجادة للسير في هذا الطريق، والعمل على وفق ذلك المنهج على قدر استطاعته وإن لم يصل إلى غايته، شأنه في ذلك شأن من يسدد سهامه إلى هدف ، فقد يصيب هذا الهدف ، وقد تخطيء رميته ، لكنه بذل وسعه في محاولة تحقيق ما ينشده ويصبو إليه
وللاستقامة ثمار عديدة لا تنقطع ، فهي باب من أبواب الخير ، وبركتها لا تقتصر على صاحبها فحسب ، بل تشمل كل من حوله ، ويفهم هذا من قوله تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا } ( الجن : 16 ) ، وتستمر عناية الله بعباده المستقيمين على طاعته حتى ينتهي بهم مطاف الحياة ، وهم ثابتون على كلمة التوحيد ، لتكون آخر ما يودعون بها الدنيا ، كما قال الله تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ، نزلا من غفور رحيم } ( فصلت : 30 – 32 )
وإذا أردنا أن تتحقق الاستقامة في البدن فلابد من استقامة القلب أولا ، لأن القلب هو ملك الأعضاء ، فمتى استقام القلب على معاني الخوف من الله ، ومحبته وتعظيمه ، استقامت الجوارح على طاعة الله ، ثم يليه في الأهمية : استقامة اللسان ، لأنه الناطق بما في القلب والمعبّر عنه
نسأل الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا .



شرح الاربعين نووية 2 1023dl
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-hafada.ahlamountada.com/index.htm
محبة الفردوس
عضو مميز
عضو مميز
محبة الفردوس


انثى عدد الرسائل : 706
تاريخ التسجيل : 19/05/2008

شرح الاربعين نووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الاربعين نووية 2   شرح الاربعين نووية 2 I_icon_minitimeالأحد يونيو 15, 2008 12:19 pm

شرح الاربعين نووية 2 1023dl

عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ) رواه البخاري .


*** الشرح ***


الحياء زينة النفس البشرية ، وتاج الأخلاق بلا منازع ، وهو البرهان الساطع على عفّة صاحبه وطهارة روحه ، ولئن كان الحياء خلقا نبيلا يتباهى به المؤمنون ، فهو أيضا شعبة من شعب الإيمان التي تقود صاحبها إلى الجنة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ) رواه أحمد و الترمذي
والحق أن الحياء رافد من روافد التقوى ؛ لأنه يلزم صاحبه فعل كل ما هو جميل ، ويصونه عن مقارفة كل قبيح ، ومبعث هذا الحياء هو استشعار العبد لمراقبة الله له ، ومطالعة الناس إليه ، فيحمله ذلك على استقباح أن يصدر منه أي عمل يعلم منه أنه مكروه لخالقه ومولاه ، ويبعثه على تحمّل مشقة التكاليف ؛ ومن أجل ذلك جاء اقتران الحياء بالإيمان في غيرما موضع من النصوص الشرعية ، في إشارة واضحة إلى عظم هذا الخلق وأهميته
وقد عُرف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق واشتُهر عنه ، حتى قال عنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ذلك : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ) ، وهكذا نشأ الأنبياء جميعا على هذه السجيّة ، فلا عجب إذا أن يصبح الحياء هو الوصية المتعارف عليها ، والبقية الباقية من كلام النبوة الأولى ، والتي يبلغها كل نبي لأمته
وللحياء صور متعددة ، فمنها : حياء الجناية ، ومعناه : الحياء من مقارفة الذنب مهما كان صغيراً ، وذلك انطلاقا من استشعار العبد لمخالفته لأمر محبوبه سبحانه وتعالى ، ومن هذا الباب اعتذار الأنبياء كلهم عن الشفاعة الكبرى حينما يتذكرون ما كان منهم من خطأ – وإن كان معفوا عنه - ، وكان الإمام أحمد بن حنبل يكثر من قول :
إذا ما قال لــي ربي أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيــان تأتيني
فما قـولي له لــما يعاتبنــي ويُقصيني
وهناك نوع آخر من الحياء ، وهو الحياء الذي يتولد من معرفة العبد لجلال الرب ، وكمال صفاته ، ويكون هذا الحياء دافعا له على مراقبة الله على الدوام ؛ لأن شعاره هو قول القائل : " لا تنظر إلى صغر الخطيئة ، ولكن انظر إلى عظم من عصيته "
ويمكن أن يُضاف نوع ثالث ، وهو حياء النساء ، ذلك الحياء الذي يوافق طبيعة المرأة التي خُلقت عليها ، فيزيّنها ويرفع من شأنها ،واستمع إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ تقول : " كنت أدخل بيتي الذي دُفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي ، فأضع ثوبي – أي أطرحه - فأقول : إنما هو زوجي وأبي ، فلما دُفن عمر معهم فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة عليّ ثيابي ؛ حياء من عمر "
فإذا اكتمل الحياء في قلب العبد ، استحيا من الله عزوجل ومن الناس ، بل جرّه حياؤه إلى الاستحياء من الملائكة الكرام ، ولهذا جاء في الحديث : ( من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) رواه مسلم
لقد جسّد النبي صلى الله عليه وسلم الحياء في سلوكيات عملية ، تدرّب المرء على هذا الخلق النبيل ، فعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استحيوا من الله حق الحياء ) ، قلنا : يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله ، قال : ( ليس ذاك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، ولتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ) رواه الترمذي ، وهذا التصوير النبوي لخلق الحياء ، يدلّنا ويرشدنا إلى أسباب وصول أمتنا لهذا المستوى من الذلّ والمهانة ، إننا لم نستح من الله حق الحياء ؛ فأصابنا ما أصابنا ، ولو كنا على المستوى المطلوب من خلق الحياء ، لقدنا العالم بأسره ، فالحياء ليس مجرّد احمرار الوجه وتنكيس الرأس ، بل هو معاملة صادقة ، وإخلاص تام في حق الخالق والمخلوق
ولعل مما يحسن التنبيه إليه في هذا الباب أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بحجة الحياء من الناس – قصور في الفهم ، وخطأ في التصوّر ؛ لأن الحياء لا يأتي إلا بخير ، والنبي صلى الله عليه وسلم على شدة حيائه ، كان إذا كره شيئا عُرف ذلك في وجهه ، ولم يمنعه الحياء من بيان الحق ، وكثيرا ما كان يغضب غضبا شديدا إذا انتُهكت محارم الله ، ولم يخرجه ذلك عن وصف الحياء
وبعد ، فهذه جولة سريعة مع خلق الحياء ، عرفنا فيها معالمه وفضائله ، وصوره وجوانبه ، وجدير بنا أن نحرص على هذا الخلق النبيل ، وأن نجعله شعار لنا حتى نلقى ربنا الجليل .






شرح الاربعين نووية 2 1023dl
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-hafada.ahlamountada.com/index.htm
محبة الفردوس
عضو مميز
عضو مميز
محبة الفردوس


انثى عدد الرسائل : 706
تاريخ التسجيل : 19/05/2008

شرح الاربعين نووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الاربعين نووية 2   شرح الاربعين نووية 2 I_icon_minitimeالأحد يونيو 15, 2008 12:20 pm

شرح الاربعين نووية 2 1023dl


عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : " كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : ( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) . رواه الترمذي وقال :" حديث حسن صحيح ".
وفي رواية الإمام أحمد : ( احفظ الله تجده أَمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة ، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك ، وما أَصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أَن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسرِ يسرا ) .


*** الشرح ***
اصطفى الله تعالى هذه الأمة من بين سائر الأمم ، ليكتب لها التمكين في الأرض ، وهذا المستوى الرفيع لا يتحقق إلا بوجود تربية إيمانية جادة تؤهلها لمواجهة الصعوبات التي قد تعتريها ، والأعاصير التي قد تحيق بها ، في سبيل نشر هذا الدين ، وإقامة شرع الله في الأرض
ومن هذا المنطلق ، حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس العقيدة في النفوس المؤمنة ، وأولى اهتماما خاصا للشباب ، ولا عجب في ذلك! ، فهم اللبنات القوية والسواعد الفتية التي يعوّل عليها نصرة هذا الدين ، وتحمّل أعباء الدعوة
وفي الحديث الذي نتناوله ، مثال حيّ على هذه التنشئة الإسلامية الفريدة ، للأجيال المؤمنة في عهد النبوة ، بما يحتويه هذا المثال على وصايا عظيمة ، وقواعد مهمة ، لا غنى للمسلم عنها
وأولى الوصايا التي احتواها هذا الحديث ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ) ، إنها وصية جامعة ترشد المؤمن بأن يراعي حقوق الله تعالى ، ويلتزم بأوامره ، ويقف عند حدود الشرع فلا يتعداه ، ويمنع جوارحه من استخدامها في غير ما خلقت له ، فإذا قام بذلك كان الجزاء من جنس العمل ، مصداقا لما أخبرنا الله تعالى في كتابه حيث قال : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } ( البقرة : 40 ) ، وقال أيضا : { فاذكروني أذكركم } ( البقرة : 152 )
وهذا الحفظ الذي وعد الله به من اتقاه يقع على نوعين :
الأول : حفظ الله سبحانه وتعالى لعبده في دنياه ، فيحفظه في بدنه وماله وأهله ، ويوكّل له من الملائكة من يتولون حفظه ورعايته ، كما قال تعالى : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } ( الرعد : 11 ) أي : بأمره ، وهو عين ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح ومساء : ( اللهم إني أسألك العفو والعافية ، في ديني ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ) رواه أبو داوود و ابن ماجة ، وبهذا الحفظ أنقذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام من النار ، وأخرج يوسف عليه السلام من الجبّ ، وحمى موسى عليه السلام من الغرق وهو رضيع ، وتتسع حدود هذا الحفظ لتشمل حفظ المرء في ذريّته بعد موته ، كما قال سعيد بن المسيب لولده : " لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك " ، وتلا قوله تعالى : { وكان أبوهما صالحا } ( الكهف : 82 )
الثاني : حفظ الله للعبد في دينه ، فيحميه من مضلات الفتن ، وأمواج الشهوات ، ولعل خير ما نستحضره في هذا المقام : حفظ الله تعالى لدين يوسف عليه السلام ، على الرغم من الفتنة العظيمة التي أحاطت به وكادت له ، يقول الله تعالى في ذلك : { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } ( يوسف : 24 ) ، وتستمر هذه الرعاية للعبد حتى يلقى ربّه مؤمنا موحدا
ولكن الفوز بهذا الموعود العظيم يتطلب من المسلم إقبالا حقيقيا على الدين ، واجتهادا في التقرب إلى الله عزوجل ، ودوام الاتصال به في الخلوات ، وهذا هو المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية لهذا الحديث : ( تعرّف إلى الله في الرخاء ، يعرِفك فـي الشدة ) ، فمن اتقى ربه حال الرخاء ، وقاه الله حال الشدّة والبلاء
ثم انتقل الحديث إلى جانب مهم من جوانب العقيدة ، ويتمثّل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس : ( إذا سأَلت فاسأَل الله ) ، وسؤال الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء من أبرز مظاهر العبوديّة والافتقار إليه ، بل هو العبادة كلها كما جاء في الحديث : ( الدعاء هو العبادة ) ، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين في كتابه العزيز فقال : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } ( الأنبياء : 90 ).
وإن من تمام هذه العبادة ترك سؤال الناس ، فإن في سؤالهم تذلل لهم ومهانة للنفس ، ولا يسلم سؤالهم من منّة أو جرح للمشاعر ، أو نيل من الكرامة ، كما قال طاووس لعطاء رحمهما الله : " إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه ، وجعل دونك حجابه ، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ، ووعدك أن يجيبك " ، وصدق أبو العتاهية إذ قال :
لا تسألن بني آدم حاجـة وسل الذي أبوابه لا تُحجب
فاجعل سؤالك للإله فإنمـا في فضل نعمة ربنـا تتقلب
وقد أثنى الله على عباده المتعففين فقال : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا } ( البقرة : 273 ) ، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم رهطا من أصحابه على ترك سؤال الناس ، وكان منهم أبوبكر الصديق و أبو ذر الغفاري و ثوبان رضي الله عنهم أجمعين ، فامتثلوا لذلك جميعا ، حتى إن أحدهم إذا سقط منه سوطه أو خطام ناقته لا يسأل أحدا أن يأتي به
إن ما سبق ذكره من الثناء على المتعفّفين إنما هو متوجه لمن تعفّف عن سؤال الناس فيما يقدرون عليه ، وما يملكون فعله ، أما ما يفعله بعض الجهلة من اللجوء إلى الأولياء والصالحين الأحياء منهم أو الأموات ، ليسألونهم ويطلبون منهم أعمالاً خارجةً عن نطاق قدرتهم ، فهذا صرفٌ للعبادة لغير الله عزوجل ، وبالتالي فهو داخل تحت طائلة الشرك
وفي قوله : ( وإذا استعنت فاستعن بالله ) أمر بطلب العون من الله تعالى دون غيره ، لأن العبد من شأنه الحاجة إلى من يعينه في أمور معاشه ومعاده ، ومصالح دنياه وآخرته ، وليس يقدر على ذلك إلا الحي القيوم ، الذي بيده خزائن السموات والأرض ، فمن أعانه الله فلا خاذل له ، ومن خذله الله فلن تجد له معينا ونصيرا ، قال تعالى : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده } ( آل عمران : 160 ) ، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول : ( اللهم أعني ولا تعن علي) ، وأمر معاذا رضي الله عنه ، ألا يدع في دبر كل صلاة أن يقول ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه النسائي وأبو داود
وإذا قويت استعانة العبد بربّه ، فإن من شأنها أن تعمّق إيمانه بقضاء الله وقدره ، والاعتماد عليه في كل شؤونه وأحواله ، وعندها لا يبالي بما يكيد له أعداؤه ، ويوقن أن الخلق كلهم لن ينفعوه بشيء لم يكتبه الله له ، ولن يستطيعوا أن يضرّوه بشيء لم يُقدّر عليه ، ولم يُكتب في علم الله ، كما قال سبحانه : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } ( الحديد : 22 )
ولما وعى سلفنا الصالح هذه الوصية ، أورثهم ذلك ثباتا في العزيمة ، وتفانيا في نشر هذا الدين ، غير مبالين بالصعوبات التي تواجههم ، والآلام التي تعتريهم ، لأنهم علموا أن طريق التمكين إنما يكون بالعمل بهذه الوصية النبوية ، وأن الفرج يأتي من بعد الكرب ، وأن العسر يعقبه اليسر ، وهذا هو الطريق الذي سلكه أنبياء الله جميعا عليهم السلام ، فما كُتب النصر ل نوح عليه السلام ، إلا بعد سلسلة طويلة من الجهاد مع قومه ، والصبر على أذاهم ، وما أنجى الله نبيه يونس عليه السلام من بطن الحوت ، إلا بعد معاناة طويلة عاشها مستغفرا لربّه ، راجيا فرجه ، معتمدا عليه في كل شؤونه ، حتى انكشفت غمّته ، وأنقذه من بلائه ومحنته ، وهكذا يكون النصر مرهونا بالصبر على البلاء والامتحان
إننا نستوحي من هذا الحديث معالم مهمة ، ووصايا عظيمة ، من عمل بها ، كتبت له النجاة ، واستنارت له عتبات الطريق ، فما أحوجنا إلى أن نتبصّر كلام نبينا صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته ، ونستلهم منها الحلول الناجعة لمشكلات الحياة ، ونجعلها السبيل الأوحد للنهضة بالأمة نحو واجباتها .




شرح الاربعين نووية 2 1023dl
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-hafada.ahlamountada.com/index.htm
محبة الفردوس
عضو مميز
عضو مميز
محبة الفردوس


انثى عدد الرسائل : 706
تاريخ التسجيل : 19/05/2008

شرح الاربعين نووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الاربعين نووية 2   شرح الاربعين نووية 2 I_icon_minitimeالأحد يونيو 15, 2008 12:20 pm

شرح الاربعين نووية 2 1023dl

عن أبي ذر جندب بن جنادة ، و أبي عبد الرحمن معاذ بِن جبل رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) . رواه الترمذي وقال: حديث حسن .


*** الشرح ***


التقوى هي سفينة النجاة ، ومفتاح كل خير ، كيف لا ؟ وهي الغاية العظمى ، والمقصد الأسمى من العبادة ؟ ، إنها محاسبة دائمة للنفس ، وخشية مستمرة لله ، وحذر من أمواج الشهوات والشبهات التي تعيق من أراد السير إلى ربه ، إنها الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعدادُ ليوم الرحيل
من هنا كانت التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه ، قال تعالى : { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } ( النساء : 131 ) ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لجميع أمته ، ووصية السلف بعضهم لبعضهم ، فلا عجب إذا أن يبتدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحته ل معاذ بن جبل و أبي ذر رضي الله عنهما
والتقوى ليست كلمة تقال ، أو شعاراً يرفع ، بل هي منهج حياة ، يترفّع فيه المؤمن عن لذائذ الدنيا الفانية ، ويجتهد فيه بالمسابقة في ميادين الطاعة ، ويبتعد عن المعاصي والموبقات ، وقد جسد أبي بن كعب رضي الله عنه هذا المعنى لما سئل عن التقوى ؟ فقال : " هل أخذت طريقا ذا شوك ؟ قال : نعم ، قال : فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى " وقد أخذ ابن المعتز رحمه الله هذا المعنى ، وصاغه بأبيات بديعة من الشعر فقال :
خل الذنوب صغيـــرها وكبيــرها ذاك التقـى واصنع كمـــاش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقـــرن صغيــرة إن الجبـال من الحصى
ومن تمام التقوى ، أن يترك العبد ما لا بأس به ، خشية أن يقع في الحرام ، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فمن اتقى الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ) رواه مسلم ، وفي هذا المعنى يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : "تمام التقوى ، أن يتقي الله العبد ، حتى يتقيه من مثقال ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال ، خشية أن يكون حراما ، فيكون حجابا بينه وبين الحرام ، فإن الله قد بيّن للعباد الذي يصيرهم إليه فقال : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة : 7 - 8 ) " ، فلا تحقرن شيئا من الخير أن تفعله ، ولا شيئا من الشر أن تتقيه
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت ) تنبيه للمؤمن على ملازمة التقوى في كل أحواله ، انطلاقاً من استشعاره لمراقبة الله له في كل حركاته وسكناته ، وسره وجهره ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت ) إشارة إلى حقيقة التقوى ، وأنها خشية الله في السرّ والعلن ، وحيث كان الإنسان أو صار ، فمن خشي الله أمام الناس فحسب فليس بتقي ، وقد قال تعالى في وصف عباده المؤمنين : { من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ، ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود } ( ق : 33 - 34 )
وقد يظن ظان أن المتقي معصوم من الزلل ، وهذا خطأ في التصور ؛ فإن المتقي قد تعتريه الغفلة ، فتقع منه المعصية ، أو يحصل منه التفريط في الطاعة ، وهذه هي طبيعة البشر المجبولة على الضعف ، ولكن المتقي يختلف عن غيره بأنه إذا تعثّرت به قدمه ، بادر بالتوبة إلى ربه ، والاستغفار من ذنبه ، ولم يكتف بذلك ، بل يتبع التوبة بارتياد ميادين الطاعة ، والإكثار من الأعمال الصالحة ، كما أمره ربه في قوله : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } ( هود : 114 ) ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها )
ولئن كانت التقوى صلة مع الله تبارك وتعالى ، وتقرّبا إليه ، فهي أيضا إحسان إلى الخلق ، وطيبة في التعامل ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وهكذا يظهر لنا التكامل والتناسق في القيم الإيمانية ، فإن الأخلاق الحميدة رافد من روافد التقوى ، وشعبة من شعب الإيمان
وللأخلاق الفاضلة مكانة عظيمة في شريعتنا ، فإنها تثقل ميزان العبد يوم الحساب ، ويبلغ بها درجة الصائم القائم ، وهو سبب رئيس في دخول الجنة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ ، قال : ( تقوى الله ، وحسن الخلق ) رواه أحمد
وإذا عرفنا ذلك ، فإن هناك وسائل تعين العبد على التخلق بالأخلاق الحسنة ، أعلاها : التأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء ، لاسيما وأنهم أعلى الناس خلقا ، وأوفرهم أدبا ، فإذا أراد المسلم التحلي بالصبر ، قرأ قصة نبي الله يوسف عليه السلام ، وإذا أراد التخلّق بالحلم ، نظر إلى حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه ، وهكذا ينهل من أخلاق الأنبياء ، ويتعلّم منهم شمائل الخير كلها
وبعد : فقد تبيّن لنا من خلال هذا الحديث معاني التقوى وأحوالها ، كما تبيّن لنا أيضا أن الإسلام يقبل من العاصي توبته ، ولا يطرده من رحمة الله ، وظهرت لنا معالم الخلق الحسن وأهميته ، فجدير بنا أن نعمل بهذه الوصايا الثلاث ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده المتقين، آمين .




شرح الاربعين نووية 2 1023dl


عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته ) رواه مسلم .


*** الشرح ***


إن المتطلع إلى مبادئ ديننا الحنيف ، ليبهره جوانب التكامل في تشريعاته ، مما يجعله موقنا بتفرد الإسلام في شموليته ، فهو يدعو الإنسان إلى أن يحسن صلته بخالقه ، وفي الوقت ذاته يضع الأسس المتينة ، والقواعد الراسخة في تعامله مع غيره من الخلق
ومن هنا تظافرت نصوص الكتاب والسنة مؤيدة لهذه الرؤية ، وموضحة لمعالمها ، وجعلت الإحسان هو الأساس الذي تنبثق منه هذه العلاقات ، وقد نبهنا الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في كتابه العزيز فقال : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } ( النحل : 90 ) ، فبيّن وجوب العمل بمقتضى الإحسان ، وأحاط العاملين بها بمعيّته الخاصة ، وشملهم برعايته وتأييده ، كما قال عزوجل : { وإن الله لمع المحسنين } ( العنكبوت : 69 ) ، كذلك فإنه قد بيّن السبل لتحقيق ذلك في الكثير من المواضع ، ومن جملتها ، الحديث الذي بين أيدينا ، والذي جاء موضحا كيفية الإحسان إلى الخلق
فبعد أن قرّر النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الإحسان في كل ميدان ، وعلى كل شيء ، وأكّد على ذلك بقوله : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ) ، عرّج بعدها بذكر مثالين اثنين ، يلزم الإنسان المسلم فيهما مراعاة الإحسان ، والمحافظة عليه
ففي قوله : ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ) ، توجيه نبوي إلى الإحسان في هيئة القتل ، ويكون ذلك بالإسراع في إزهاق النفس التي أبيح دمها حال القصاص أو حال الحرب ، ولئن جاز للمسلمين معاملة من حاربهم بالمثل ، فإن ذلك لا يبيح لهم التمثيل بالقتلى ، والتشويه للجثث بدون سبب شرعي ، لما في ذلك من منافاة للمثل العليا التي يدعو إليها ديننا الحنيف
ويدخل ضمن الأمر بإحسان القتل ، تحريم التعذيب بالنار ، وليس ذلك للبشر فحسب ، بل حتى للحيوانات والحشرات ، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ؛ وهذا يؤكد حرص الإسلام على اختيار أيسر الطرق المؤدية إلى خروج الروح عند تحتّم القتل
ثم انتقل الحديث بعد ذلك إلى قضية الإحسان في الذبح ، بآدابه الراقية التي تجسد معاني الرفق بالحيوان ، وقد ذكر العلماء هذه الآداب في كتب الفقه ، وأسهبوا في شرحها ، فمن ذلك : أن يذبح البهيمة بآلة حادة ، تعجّل من خروج روحها ، وإنهار دمها ، فلا تتعذب كثيرا ، يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد و ابن ماجة ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحد الشفار " ، وقد جعل العلماء ذلك شرطا في آلة الذبح ، كما جاء في الحديث : ( ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكلوه ، ليس السن والظفر ) رواه الشيخان
ومن الإحسان في الذبح ، ألا يقوم الذابح بحد شفرته أمام الذبيحة ، فقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة ، وهو يحد شفرته ، وهي تلحظ إليه ببصرها فقال : ( أتريد أن تميتها موتات ؟، هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟ ) رواه الحاكم ، وكذلك فإنه يستحب له أن لا يذبح ذبيحة بحضرة أخرى ، ولا يظهر السكين أمام الذبيحة إلا عند مباشرته للذبح
ومن الرفق بالذبيحة ، أن تساق إلى المذبح سوقا هينا ، فلا يجرّها بأذنها ، أو يسوقها سوقا عنيفا ، كما ذكر ذلك الإمام أحمد ، فإذا أراد أن يذبحها ، فعليه أن يضجعها على شقها الأيسر برفق ، لما ثبت في صحيح الإمام مسلم رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن ، فأتى به ليضحي به ، فقال لها : ( يا "عائشة" ، هلمي المدية) ، ثم قال : ( اشحذيها بحجر ) ، ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ، ثم ذبحه " ، وقد صرّح الإمام النووي بوقوع الإجماع على هذه المسألة ، واستحب الشافعية أيضا عرض الماء على الذبيحة قبل ذبحها
وبعد أن يسمّي ، يسرع في قطع الأوداج ، وإنهار الدم ، حتى يريح الذبيحة ، ولا يباشر بقطع شيء منها ، أو سلخها ، حتى تتم الذكاة وتخرج الروح ، ولا ينبغي له أن يبالغ في الذبح حتى يقطع الرأس ، فإن ذلك مناف للإحسان إليها
إن كل ما سبق ، يزيد المرء إيمانا بكمال هذا الدين ، وتناوله لجميع نواحي الحياة ، وبهذا المنهج الرباني الذي يتألق سموا بتلك المعاني السامية ، يمكن للبشرية أن تخرج من ظلمات التيه ، لتقتبس من نور الإسلام ، وترتبط بخالقها جلّ وعلا برباط محكم وثيق ، فتعيش آمنة مطمئنة ، وهذا ما نتطلع إلى حصوله بإذن الله العلي القدي .



شرح الاربعين نووية 2 1023dl
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-hafada.ahlamountada.com/index.htm
محبة الفردوس
عضو مميز
عضو مميز
محبة الفردوس


انثى عدد الرسائل : 706
تاريخ التسجيل : 19/05/2008

شرح الاربعين نووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الاربعين نووية 2   شرح الاربعين نووية 2 I_icon_minitimeالأحد يونيو 15, 2008 12:21 pm

شرح الاربعين نووية 2 1023dl

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " أوصني " ، فردّد ، قال : ( لا تغضب ) رواه البخاري .
*** الشرح ***
خلق الله تعالى آدم عليه السلام من تراب الأرض بجميع أنواعه - الأبيض منها والأسود ، والطيب والرديء ، والقاسي واللين - ، فنشأت نفوس ذرّيته متباينة الطباع ، مختلفة المشارب ، فما يصلح لبعضها قد لا يناسب غيرها ، ومن هذا المنطلق راعى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في وصاياه للناس ، إذ كان يوصي كل فرد بما يناسبه ، وما يعينه في تهذيب نفسه وتزكيتها
فها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتسابقون إليه كي يغنموا منه الكلمة الجامعة ، والتوجيه الرشيد ، وكان منهم أبو الدرداء رضي الله عنه - كما جاء في بعض الروايات - ، فأقبل بنفس متعطشة إلى المربي العظيم ، يسأله وصية تجمع له أسباب الخير في الدنيا والآخرة ، فما زاد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال له : ( لا تغضب )
وبهذه الكلمة الموجزة ، يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر هذا الخلق الذميم ، فالغضب جماع الشر ، ومصدر كل بليّة ، فكم مُزّقت به من صلات ، وقُطعت به من أرحام ، وأُشعلت به نار العداوات ، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم
إنه غليان في القلب ، وهيجان في المشاعر ، يسري في النفس ، فترى صاحبه محمر الوجه ، تقدح عينيه الشرر ، فبعد أن كان هادئا متزنا ، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة ، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء : ( اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ) رواه أحمد ، فإن الغضب إذا اعترى العبد ، فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله ، وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين ، فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : " أول الغضب جنون ، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب " ، ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما : "مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب ؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم " ، وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه : "يا بني ، لا يثبت العقل عند الغضب ، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم "، وقال آخر : " ما تكلمت في غضبي قط ، بما أندم عليه إذا رضيت ".
ومن الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين في كتابه ، ما جاء في قوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } ( آل عمران : 134 ) ، فهذه الآية تشير إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة مراتب : فمنهم من يكظم غيظه ، ويوقفه عند حده ، ومنهم من يعفوا عمن أساء إليه ، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه
وهذا يقودنا إلى سؤال مهم : ما هي الوسائل التي تحد من الغضب ، وتعين العبد على التحكم بنفسه في تلك الحال ؟ : لقد بينت الشريعة العلاج النافع لذلك من خلال عدة نصوص ، وهو يتلخص فيما يأتي
أولا : اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء ، فالنفوس بيد الله تعالى ، وهو المعين على تزكيتها ، يقول الله تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } ( غافر : 60 )
ثانيا : التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فهو الذي يوقد جمرة الغضب في القلب ، يقول الله تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ( فصلت : 36 ) ، وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه ، وانتفخت أوداجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة ، لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان ، ذهب عنه ما يجد ) ، وعلى الغاضب أن يكثر من ذكر الله تعالى والاستغفار ؛ فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب
ثالثا : التطلع إلى ما عند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن كظم غيظه ، فمن ذلك ما رواه أبو داود بسند حسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق ، حتى يخيره من أي الحور شاء )
رابعا : الإمساك عن الكلام ، ويغير من هيئته التي عليها ، بأن يقعد إذا كان واقفا ، ويضطجع إذا كان جالسا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) رواه أبو داود .
خامسا : الابتعاد عن كل ما ما يسبب الغضب ، والتفكر فيما يؤدي إليه
سادسا : تدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل ، في شتى شؤون الدنيا والدين .





شرح الاربعين نووية 2 1023dl


عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه ) رواه البخاري و مسلم


*** الشرح ***


نشأ العرب في جاهليتهم على بعض القيم الرفيعة ، والخصال الحميدة ، وسادت بينهم حتى صارت جزءاً لا يتجزّأ من شخصيتهم ، يفتخرون بها على من سواهم ، ويسطّرون مآثرها في أشعارهم
وتلك الأخلاق العظيمة التي امتازوا بها ، لم تأت من فراغٍ ، ولكنها نتاج طبيعي من تأثّر أسلافهم بدعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام ، حتى اعتادوا عليها ، وتمسّكوا بها عند معاملتهم للآخرين ، ثم ما لبث فجر الإسلام أن بزغ ، فجاءت تعاليمه لترسي دعائم تلك الأخلاق ، وتعمق جذورها في نفوس المؤمنين ، والتي كان منها : الحث على إكرام الضيف ، والحفاوة به
إن إكرام الضيف يمثل سمة بارزة للسمو الأخلاقي الذي تدعو إليه تعاليم الشريعة ، والتخلق بها يعدّ مظهرا من مظاهر تمام الإيمان وكماله ، ويكفينا دلالة على ذلك ، قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي بين أيدينا : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه )
وليس المقصود من الحديث نفي مطلق الإيمان عمّن لم يأت بهذا الخلق - أو غيرها من الخصال المذكورة - ، إنما أريد به المبالغة في الحث على المسارعة في الامتثال لهذه الأوامر ، كما يقول القائل : " إن كنت ابني فأطعني " ، ويعنون بذلك تشجيع الولد على طاعة أبيه ، فهو إذا : تشجيع على التمسك بتلك الفضائل
وقد وعى المؤمنون في الصدر الأول ذلك جيدا ، وفهموا المراد منه ، فصار للضيافة شأن عظيم في حياتهم ، فلا عجب أن تنقل لنا كتب السير في هذا المضمار من الأمثلة أروعها ، ومن المواقف أسماها ، يأتي في مقدمتها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ضيف ، فلم يجد ما يضيفه به ، فقال لأصحابه : ( من يضيف هذا الليلة رحمه الله ) فقام رجل من الأنصار فقال : " أنا يا رسول الله " ، فانطلق به إلى رحله ، فقال لامرأته : " هل عندك شيء ؟ " قالت : " لا ، إلا قوت صبياني " ، قال : " فعلّليهم بشيء ، فإذا دخل ضيفنا فأطفيء السراج ، وأريه أنّا نأكل ، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه " ، قال : فقعدوا وأكل الضيف ، فلما أصبح ، غدا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة ) ، إن هذا الموقف العظيم ، وهذا التفاني في إسداء الكرم للضيف ، لثمرة من ثمار إيمانهم العميق بثواب الله وأجره
وبعد أن عرفنا مكانة الضيافة في منظومة الأخلاق ، وقدرها عند الله ، فإنه يجدر بنا أن نقف وقفة سريعة مع بعض الآداب التي ينبغي مراعاتها في الضيافة ، فمن ذلك : أن يدعو الإنسان لضيـافته الأتقياء والصالحين ، ويتجنب دعوة الفسقة من الناس ، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ) ، كذلك فإنه يدعو لضيافته دون تمييز بين الفقير والغني ، فإن هذا من التواضع الذي ينبغي أن يتحلّى به المؤمن ، وقد جاء في الحديث : ( شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ) متفق عليه ، فإذا حضر ضيوفه ، يستقبلهم عند بابه ، ويبشّ عند قدومهم ، ويطيب في حديثه معهم ، وقد سئل الأوزاعي رحمه الله : " ما إكرام الضيف ؟ " ، قال : " طلاقة الوجه ، وطيب الكلام " ، وقال الشاعر :
وإني لطلق الوجه للمبتغي القــِرى وإن فنــائي للقــرى لرحيب
أضاحك ضيفي عند إنزال رحلـــه فيخـصب عنـدي والمحل جديب
وما الخصب للأضياف أن يُكثر القِرى ولكنـما وجه الكــريم خصيب
فإذا حضر وقت الطعام ، فإنه يأتيهم بما تسير له ، ولا ينبغي له أن يتكلف ما لايستطيع ؛ فإن هذا مخالف للهدي النبوي ، وفيه أذى وإحراج للضيف من ناحية أخرى ، ومن إكرام الضيف : أن يخرج معه إلى باب الدار عند توديعه ؛ فإن ذلك يشعره بمدى الحفاوة به ، والفرحة بحصول زيارته
ولئن كان الإسلام قد أولى العناية بحق الضيف على بعده وقلّة حضوره ، فإن اهتمامه بالجار من باب أولى ، وحسبنا دلالة على ذلك : أن الله تعالى قرن الأمر بالإحسان إليه مع الأمر بعبادته سبحانه ، قال تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب } ( النساء : 36 ) ، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحق في قوله : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )
ومن هنا كان إيذاء الجار من كبائر الذنوب عند الله عزوجل ، بل هو منافٍ لكمال الإيمان ، وقد روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ) ، قيل : "ومن يا رسول الله ؟ " ، قال : ( الذي لا يأمن جاره بوائقه ) ، أي لا يسلم من شره وأذاه
ولاشك أن الإحسان إلى الجار قربة عظيمة إلى الله تعالى ، ومن هنا جعل الإسلام له حقوقا عديدة ، من جملتها : أن يمدّ جسور المحبة بينه وبين جيرانه ، وأن يأتي كل ما من شأنه أن يوطّد هذه العلاقة ، ويزيدها قوة ، فيتعهّده دائما بالزيارة والسؤال عن أحواله ، ويمدّ له يد العون في كل ما يحتاجه ، ويقف معه في الشدائد والنوائب التي قد تصيبه ، ويشاركه في أفراحه التي تسعده
ومن حقوقه أيضا : أن يستر ما يظهر له من عيوبه ، ويحفظ عينه من النظر في عوراته ، ويتواصل معه بالهدايا بين الحين والآخر ؛ فإن ذلك يزيد الألفة ، ويقوي المحبة ، مهما كانت الهدية قليلة القدْر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تحقرن جارة جارتها ، ولو فرسن شاة ) رواه البخاري و مسلم ، والفرسن : هو عظم قليل اللحم
إن الإحسان إلى الجار ، والكرم مع الضيف ، يعدان من مظاهر التكافل الاجتماعي الذي يدعو إليه الإسلام ، هذا وقد ذكر الحديث شعبة أخرى من شعب الإيمان ، وهي المتمثلة في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ) ففيه دعوة إلى الكلمة الطيبة من ناحية ، ومن ناحية أخرى تحذير من إطلاق اللسان فيما لا يرضي الله تبارك وتعالى
وقد تظافرت نصوص الكتاب والسنة على بيان خطر هذه الجارحة ، فكم من كلمة أودت بصاحبها في نار جهنم ، وكم من كلمة كانت سببا لدخول الجنة ، وقد ثبت في البخاري و مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب )
وهكذا أيها القارئ الكريم ، يتبين لنا مما سبق بعضا من الجوانب المشرقة والأخلاق الرفيعة ، التي يدعو إليها الإسلام ، ويحث على التمسك بها ، فما أجمل أن نتخلق بها ، ونتخذها نبراسا ينير لنا الطريق .



شرح الاربعين نووية 2 1023dl
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-hafada.ahlamountada.com/index.htm
محبة الفردوس
عضو مميز
عضو مميز
محبة الفردوس


انثى عدد الرسائل : 706
تاريخ التسجيل : 19/05/2008

شرح الاربعين نووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الاربعين نووية 2   شرح الاربعين نووية 2 I_icon_minitimeالأحد يونيو 15, 2008 12:21 pm

شرح الاربعين نووية 2 1023dl

عن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، رواه البخاري و مسلم .


*** الشرح ***


حرص الإسلام بتعاليمه وشرائعه على تنظيم علاقة الناس بربهم تبارك وتعالى ، حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة ، وفي الوقت ذاته شرع لهم ما ينظم علاقتهم بعضهم ببعض ؛ حتى تسود الألفة والمحبة في المجتمع المسلم ، ولا يتحقق ذلك إلا إذا حرص كل فرد من أفراده على مصلحة غيره حرصه على مصلحته الشخصية ، وبذلك ينشأ المجتمع الإسلامي قويّ الروابط ، متين الأساس
ومن أجل هذا الهدف ، أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى تحقيق مبدأ التكافل والإيثار ، فقال : ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، فبيّن أن من أهم عوامل رسوخ الإيمان في القلب ، أن يحب الإنسان للآخرين حصول الخير الذي يحبه لنفسه ، من حلول النعم ، وزوال النقم ، وبذلك يكمل الإيمان في القلب
وإذا تأملنا الحديث ، لوجدنا أن تحقيق هذا الكمال الإيماني في النفس ، يتطلب منها سموا في التعامل ، ورفعة في الأخلاق مع الغير ، انطلاقا من رغبتها في أن تُعامل بالمثل ، وهذا يحتّم على صاحبها أن يصبر على أذى الناس ، ويتغاضى عن هفواتهم ، ويعفو عمن أساء إليه ، وليس ذلك فحسب ، بل إنه يشارك إخوانه في أفراحهم وأتراحهم ، ويعود المريض منهم ، ويواسي المحتاج ، ويكفل اليتيم ، ويعيل الأرملة ، ولا يألو جهدا في تقديم صنائع المعروف للآخرين ، ببشاشةِ وجه ، وسعة قلب ، وسلامة صدر
وكما يحب للناس السعادة في دنياهم ، فإنه يحب لهم أن يكونوا من السعداء يوم القيامة ، لهذا فهو يسعى دائما إلى هداية البشرية ، وإرشادهم إلى طريق الهدى ، واضعا نصب عينيه قول الله تعالى : { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين } ( فصلت : 33 )
ويتسع معنى الحديث ، ليشمل محبة الخير لغير المسلمين ، فيحب لهم أن يمنّ الله عليهم بنعمة الإيمان ، وأن ينقذهم الله من ظلمات الشرك والعصيان ، ويدل على هذا المعنى ما جاء في رواية الترمذي لهذا الحديث ، قال صلى الله عليه وسلم : ( وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما )
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في حب الخير للغير ، فهو عليه الصلاة والسلام لم يكن يدّخر جهدا في نصح الآخرين ، وإرشادهم إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة ، روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه : ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرنّ على اثنين ، ولا تولين مال يتيم )
أما سلفنا الصالح رحمهم الله ، فحملوا على عواتقهم هذه الوصية النبويّة ، وكانوا أمناء في أدائها على خير وجه ، فها هو ابن عباس رضي الله عنهما يقول : " إني لأمر على الآية من كتاب الله ، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم " ، ولما أراد محمد بن واسع رحمه الله أن يبيع حمارا له ، قال له رجل : " أترضاه لي ؟ " ، فردّ عليه : " لو لم أرضه لك ، لم أبعه " ، وهذه الأمثلة وغيرها مؤشر على السمو الإيماني الذي وصلوا إليه ، والذي بدوره أثمر لنا هذه المواقف المشرفة.
ومن مقتضيات هذا الحديث ، أن يبغض المسلم لأخيه ما يبغضه لنفسه ، وهذا يقوده إلى ترك جملة من الصفات الذميمة ، كالحسد والحقد ، والبغض للآخرين ، والأنانية و الجشع ، وغيرها من الصفات الذميمة ، التي يكره أن يعامله الناس بها
وختاما : فإن من ثمرات العمل بهذا الحديث العظيم أن ينشأ في الأمة مجتمع فاضل ، ينعم أفراده فيه بأواصر المحبة ، وترتبط لبناته حتى تغدو قوية متماسكة ، كالجسد الواحد القوي ، الذي لا تقهره الحوادث ، ولا تغلبه النوائب ، ، فتتحقق للأمة سعادتها ، وهذا هو غاية ما نتمنى أن نراه على أرض الواقع ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .




شرح الاربعين نووية 2 1023dl


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه ) حديث حسن رواه الترمذي وغيره .
الشرح
أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، إلى الطريق الذي يبلغ به العبد كمال دينه ، وحسن إسلامه ، وصلاح عمله ، فبيّن أن مما يزيد إسلام المرء حسنا ، أن يدع ما لا يعنيه ولا يفيده في أمر دنياه وآخرته
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء ، ترك ما لا يعنيه ) توجيه للأمة بالاشتغال بما ينفعها ، ويقرّبها من ربّها ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( احرص على ما ينفعك ) فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام الأوقات بالخيرات ، فإن الدنيا مزرعة للآخرة ، وعمر الدنيا قصير ، فهو كظل شجرة ، يوشك أن يذهب سريعا ، لذا فالإنسان العاقل الذي جعل الآخرة همّه ، والجنة مأربه ، يغتنم أوقاته كلها ، وقد أحسن الشاعر إذ قال :
اغتنم ركعتين في ظلمة الليــ ـل إذا كنت فارغا مستريحا
وإذا ما هممت بالخوض في البـا طـل فاجعل مكانه تسبيحا
إن اهتمام المرء وانشغاله بما يعنيه فيه فوائد عظيمة ، فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، فمن اشتغل بالناس نسي أمر نفسه ، وأوشك اشتغاله بالناس أن يوقعه في أعراضهم بالقيل والقال ، كما أن انشغال المرء بنفسه وبما يعينه فيه حفظ للوقت ، ومسارعة في الخير ، فضلا عما يورثه ذلك على مستوى المجتمع من حفظ الثروات ، وتنمية المكتسبات ، وإشاعة روح الجدية والعمل ، والإخاء والتعاون
والتَرك المقصود في هذا الحديث يشمل أمورا كثيرة ، منها ترك فضول النظر ، لما في التطلع إلى متاع الدنيا من إفساد للقلب ، وإشغال للبال ، يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه } ( طه : 131 ) : " أي: لا تمد عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين، ويتمتع بها - بقطع النظر عن الآخرة - القوم الظالمون، ثم تذهب سريعا، وتمضي جميعا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة " .
ومن الأمور التي يشملها الترك في الحديث : ترك فضول الكلام ، ولغو الحديث ؛ لأنه يتعلق بجارحة خطيرة ، ألا وهي جارحة اللسان ، يشهد لما قلناه ما جاء في الرواية الأخرى لهذا الحديث : ( إن من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه ) رواه أحمد
وقد امتدح الله عباده المؤمنين بقوله : { والذين هم عن اللغو معرضون } ( المؤمنون : 3 ) ، فمن صان لسانه عن فضول القول ، سَلِمَ من انزلاقه فيما لا يحبه الله ويرضاه ، وحمى منطقه من الغيبة والنميمة ، ولذلك حث الشرع في مواطن كثيرة على لزوم الصمت إلا بما فيه ذكر الله تعالى ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، قال الله عزوجل : { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } ( النساء : 114 )
وينبغي أن يُعلم أن الضابط الصحيح لترك ما لا يعني هو الشرع ، لا مجرد الهوى والرأي ، لذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم أمارة على حسن إسلام المرء ، فإن البعض يدع أمورا قد دلّت عليها الشريعة ، بدعوى أنها تدخّل في شؤون الآخرين ، فيعرض عن إسداء النصيحة للآخرين ، ويترك ما أمره الله به من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، بحجة احترام الخصوصيات ، وكل هذا مجانبة للشرع ، وبعد عن هدى النبوة ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان تاركا لما لا يعنيه ، ومع ذلك كان ناصحا مرشدا ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، عاملا بأمر الله في حلّه وترحاله .
وخلاصة القول : إن في الحديث إرشاداً لما فيه حفظ وقت الإنسان من الضياع ، ودينه من الصوارف التي تصرفه عن المسارعة في الخيرات ، والتزود من الصالحات ، مما يعين العبد على تزكية النفس ، وتربيتها على معاني الجد في العمل ، نسأل الله تعالى أن يعيننا على حسن استغلال الأوقات ، وأن يجنبنا فضول الملذات ، إنه جواد كري .



شرح الاربعين نووية 2 1023dl
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-hafada.ahlamountada.com/index.htm
محبة الفردوس
عضو مميز
عضو مميز
محبة الفردوس


انثى عدد الرسائل : 706
تاريخ التسجيل : 19/05/2008

شرح الاربعين نووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الاربعين نووية 2   شرح الاربعين نووية 2 I_icon_minitimeالأحد يونيو 15, 2008 12:22 pm

شرح الاربعين نووية 2 1023dl

عن الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله ، وريحانته رضي الله عنه قال : " حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك ، إلى ما لا يريبك ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .


*** الشرح ***


كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم النصح لأمته ، يوجههم إلى ما فيه خير لمعاشهم ومعادهم ، فأمرهم بسلوك درب الصالحين ، ووضح لهم معالم هذا الطريق ، والوسائل التي تقود إليه ، ومن جملة تلك النصائح النبوية ، الحديث الذي بين أيدينا ، والذي يُرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى اجتناب كل ما فيه شبهة ، والتزام الحلال الواضح المتيقن منه
والراوي لهذا الحديث هو : الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسبط : هو ولد البنت ، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم و للحسن سبع سنين ؛ ولذلك فإن الأحاديث التي رواها قليلة ، وهذا الحديث منها
وقد صدّر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بقوله : ( دع ما يريبك ) فهذا أمر عام بترك كل ما يريب الإنسان ، والريبة هي الشك كما في قوله سبحانه وتعالى : { الم ، ذلك الكتاب لا ريب فيه } ( البقرة : 1-2 ) ، وعليه فإن الحديث يدعو إلى ترك ما يقع فيه الشك إلى ما كان واضحاً لا ريب ولا شك فيه
وفي هذا الصدد بحث العلماء عن دلالة الأمر بترك ما فيه ريبة ، هل هو للوجوب ؟ ، بحيث يأثم الإنسان إذا لم يجتنب تلك المشتبهات ؟ ، أم إنه على الاستحباب ؟
إن المتأمل لهذا الحديث مع الأحاديث الأخرى التي جاءت بنفس المعنى ، يلاحظ أنها رسمت خطوطا واضحة لبيان منهج التعامل مع ما يريب ، فالأمر هنا في الأصل للتوجيه والندب ؛ لأن ترك الشبهات في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الأحكام ، يقود الإنسان إلى الورع والتقوى ، واستبراء الدين والعرض كما سبق في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، ولكن الناس في ذلك ليسوا سواء ، فإذا تعلقت الريبة في أمر محرم أو غلب الظن أن الوقوع في هذا العمل يؤدي إلى ما يغضب الله ورسوله ، عندها يتوجب على العبد ترك ما ارتاب فيه .
ولسلفنا الصالح رضوان الله عليهم الكثير من المواقف الرائعة ، والعبارات المشرقة ، التي تدل على تحليهم بالورع ، وتمسكهم بالتقوى ، فمن أقوالهم : ما جاء عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال : " تمام التقوى ترك بعض الحلال خوفا أن يكون حراما " ، ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله : " يزعم الناس أن الورع شديد ، وما ورد عليّ أمران إلا أخذت بأشدهما ، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، وعن أبي إسماعيل المؤدب قال : جاء رجل إلى العمري فقال : " عظني " ، قال : فأخذ حصاة من الأرض فقال : " زنة هذه من الورع يدخل قلبك ، خير لك من صلاة أهل الأرض "
ولقد ظهر أثر الورع جليا على أفعالهم ، فمن ذلك ما رواه الإمام البخاري رضي الله عنه ، أن أبابكر رضي الله عنه ، كان له غلام يخرج له الخراج ، وكان أبو بكر رضي الله عنه يأكل من خراجه ، فجاء له الغلام يوما بشيء ، فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام : " تدري ما هذا؟ " فقال :" وما هو ؟ " قال الغلام : " كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية ، وما أُحسِن الكهانة ، إلا أني خدعته ، فلقيني ، فأعطاني بذلك ، فهذا الذي أكلت منه " ، فما كان من هذا الخليفة الراشد رضي الله عنه ، إلا أن أدخل يده فقاء ما في بطنه
ومما ورد في سير من كانوا قبلنا ، ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اشترى رجل من رجل عقارا له ، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب ، فقال له الذي اشترى العقار : " خذ ذهبك مني ؛ إنما اشتريت منك الأرض ، ولم أبتع منك الذهب " ، وقال الذي له الأرض : " إنما بعتك الأرض وما فيها " فتحاكما إلى رجل ، فقال الذي تحاكما إليه : " ألكما ولد ؟ " قال أحدهما : " لي غلام " ، وقال الآخر : " لي جارية " ، قال : " أنكحوا الغلام الجارية ، وأنفقوا على أنفسهما منه ، وتصدقا )
وقد رؤي سفيان الثوري في المنام ، وله جناحان يطير بهما في الجنة ، فقيل له : بم نلت هذا ؟ فقال : بالورع
وللفقهاء وقفة عند هذا الحديث ، فقد استنبطوا منه قاعدة فقهية مهمة تدخل في أبواب كثيرة من الأحكام ، ونصّ القاعدة : " اليقين لا يزول بالشك " ، فنطرح الشك ونأخذ باليقين ، وحتى نوضّح المقصود من هذه القاعدة نضرب لذلك مثلا ، فإذا أحدث رجل ، ثم شك : هل تطهّر بعد الحدث أم لا ؟ فإن الأصل المتيقّن منه أنه قد أحدث ، فيعمل به ، ويلزمه الوضوء إذا أرد أن يصلي ؛ عملا بالقاعدة السابقة ، وهكذا إذا توضأ ثم شك : هل أحدث بعد الوضوء أم لا ؟ فالأصل أنه متوضأ ؛ لأن وضوءه متيقنٌ منه ، وحدثُه مشكوك فيه ، فيعمل باليقين
وللحديث زيادة أخرى وردت في بعض طرق الحديث ، فقد جاء في الترمذي : ( فإن الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة ) ، وفي ذلك إشارة إلى أن المسلم إذا ابتعد عن كل ما يريبه ، فقد حمى نفسه من الوقوع في الحرام من باب أولى ، وهذا يورثه طمأنينة في نفسه ، مبعثها بُعده عن طريق الهلاك ، أما إذا لم يمتثل للتوجيه النبوي ، وأبى الابتعاد عن طريق الشبهات ، حصل له القلق والاضطراب ، لأن من طبيعة المشكوك فيه ألا يسكن له قلب ، أو يرتاح له ضمير.
وخلاصة القول : إن هذا الحديث يعطي تصورا واضحا للعبد فيما يأخذ وفيما يترك ، ومدى أثر ذلك على راحة النفس وطمأنينة الروح ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الورع والتقى ؛ إنه وليّ ذلك والقادر عليه .




شرح الاربعين نووية 2 1023dl


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ( المؤمنون : 51 ) ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ( البقرة : 172 ) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمدّ يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذّي بالحرام ، فأنّى يُستجاب له ؟ ) رواه مسلم .


*** الشرح ***


الدعاء روضة القلب ، وأنس الروح ؛ فهو صلة بين العبد وربه ، يستجلب به الرحمة ، ويستعدي به على من ظلمه ، ومن عظيم شأنه ، وعلو مكانه ، أن جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل العبادة ولبها
وإذا كان للدعاء هذه المكانة العظيمة ؛ فإنّه ينبغي على العبد أن يأتي بالأسباب التي تجعله مقبولا عند الله تعالى ، ومن جملة تلك الأسباب : الحرص على الحلال في الغذاء واللباس ، وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى حقيقة مهمة وهي : ( إن الله طيب ، لا يقبل إلا طيبا ) ، فبيّن أنه سبحانه وتعالى منزه عن كل نقص وعيب ، فهو الطيب الطاهر المقدس ، المتصف بصفات الكمال ، ونعوت الجمال ، ومادام كذلك ، فإنه : ( لا يقبل إلا طيبا ) ، فهو سبحانه إنما يقبل من الأعمال ما كان طيبا ، خالصا من شوائب الشرك والرياء ، كما قال سبحانه في محكم كتابه : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) ، كما أنّه تعالى لا يقبل من الأموال إلا ما كان طيبا ، من كسب حلال ، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرض ذكر الصدقة : ( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولا يقبل الله إلا الطيب ، فإن الله يقبلها بيمينه...) الحديث ، وهو سبحانه أيضا لا يقبل من الأقوال إلا الطيب ، كما قال تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب } ( فاطر : 10 )
وحتى يتحقق للمؤمن هذه الطيبة التي ينشدها ، فإنّه ينبغي عليه أن يحرص على تناول الطيب من الرزق ، كما قال تعالى : { كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ( المؤمنون : 51 ) ، ، فإذا امتثل المسلم ما أُمر به ، حصل له من الصفاء النفسي والسمو الروحي ما يقرّبه من ربّه ، فيكون ذلك أدعى لإجابة دعائه .
ومن ناحية أخرى يجب على العبد أن ينأى بنفسه عن كل ما حرّمه الله تعالى عليه من مطعوم أو مشروب أو ملبوس ، لأن الحرام سيورده موارد الهلاك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك : ( لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به )
وقد ورد عن سلفنا الصالح رحمهم الله ، ما يدل على حرصهم على تلك المعاني السامية ، فعن ميمون بن مهران رحمه الله أنه قال : " لا يكون الرجل تقيا حتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه " ، ويقول وهيب بن الورد : " لو قمت مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أم حرام " ، ويقول يحيى بن معاذ : " الطاعة خزانة من خزائن الله ، إلا أن مفتاحها الدعاء، وأسنانه لقم الحلال "
ثم ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلا عظيما ، لرجل قد أتى بأسباب إجابة الدعاء ، غير أنه لم يكن يتحرّى الحلال الطيب فيما يتناوله ، فهذا الرجل :
أولا : ( يطيل السفر ) ، والسفر بمجرّده يقتضي إجابة الدعاء ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة المسافر ) رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، والمسافر يحصل له في الغالب انكسار نفس نتيجة المشاق التي تعتريه في سفره ، وهذا يجعله أقرب لإجابة دعائه
ثانيا : (أشعث أغبر ) ، وهذا يدل على تذلّله وافتقاره ، بحصول التبذّل في هيئته وملا بسه ، ومن كانت هذه حاله كان أدعى للإجابة ؛ إذ إن فيه معنى الخضوع لله تعالى ، والحاجة إليه
ثالثا : ( يمد يديه إلى السماء ) ، والله سبحانه وتعالى كريم لا يرد من سأله ، روى الإمام أحمد وغيره ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله حيي كريم ، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين )
رابعا : ما ورد من إلحاحه في الدعاء : ( يا رب ، يا رب ) ، وهذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء ؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر ما يدعوا به ثلاثا
فهذه أربعة أسباب لإجابة الدعاء ، قد أتى بها كلها ؛ ولكنه أتى بمانع واحد فهدم هذه الأسباب الأربعة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فأنّى يُستجاب له ؟ ) ، وهذا الاستفهام واقع على وجه التعجب والاستبعاد ، لمن كانت هذه حاله .
وأخيراً : فما أحوجنا إلى أن نقف مع أنفسنا وقفةً حازمة ، نتحرّى فيها ما نأكله من طعام ، أونلبسه من لباس ، حتى يكون الدعاء مقبولا عند الله ، نسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه ، وبطاعته عن معصيته ، وبه عمّن سواه



شرح الاربعين نووية 2 1023dl
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-hafada.ahlamountada.com/index.htm
زهرة الإسلام
مشرفة
مشرفة
زهرة الإسلام


انثى عدد الرسائل : 1025
تاريخ التسجيل : 15/05/2008

شرح الاربعين نووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الاربعين نووية 2   شرح الاربعين نووية 2 I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2008 1:35 am

جزاك الله خيرا أختي محبة الفردوس
موضوع قيم فعلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محبة الفردوس
عضو مميز
عضو مميز
محبة الفردوس


انثى عدد الرسائل : 706
تاريخ التسجيل : 19/05/2008

شرح الاربعين نووية 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الاربعين نووية 2   شرح الاربعين نووية 2 I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2008 3:29 am

العفو اختاه هذا واجبي حبيبتي تشكرين على المرور الرائع انرت الادراج بطلتك جزيت الفردوس الاعلى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-hafada.ahlamountada.com/index.htm
 
شرح الاربعين نووية 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شرح الاربعين نووية...
» معنا لنصرة السنة النبوية بحفط اربعين نووية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الحفظة للقرآن الكريم :: ..:: القســـــــــــــــم العـــــــــــــــــــام ::.. :: منتدى إسلاميات-
انتقل الى: