الفقيه الشيرازي «قدس سره»... تلميذ القرآن
كيف نبني إنساناً قرآنياً؟للإجابة على هذا التساؤل نقول: كلما ارتبط الإنسان بعظيم ما، فإنه يكتسب منه مفردات العظمة، وهكذا الحال حين يرتبط الإنسان بالقرآن ارتباطاً وثيقاً، وتصطبغ حياته بالصبغة القرآنية، ويصبح القرآن حديثه الذي يتحدث به، بل ينطلق في كل حركة يقوم بها من منطلق قرآني. فإنه بلا شك يصبح عظيماً.
وهذا ما تؤكده أحاديث أهل البيت فهي تبين تلك المكانة الرفيعة التي يحتلها من يصادق القرآن، حيث ورد عن أبي عبد الله
قال: من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة»
[1] .
وفي حديث آخر تأكيد على خلق بيئة قرآنية وما يشع عنها من إشعاعات نورانية، وآمن طمأنينة، ويصبح ذلك البيت القرآني بيتاً مشعاً بكل خير، وهذا ما عن الإمام علي
: «البيت الذي يُقرأ فيه القرآن ويُذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين، ويضيئ لأهل السماء كما تضيئ الكواكب لأهل الأرض»
[2] .
وهناك أحاديث كثيرة تبين أهمية مرحلة الطفولة، حيث أنها من أفضل المراحل لغرس حب القرآن، ولغرس الثقافة القرآنية، وللتنشئة القرآنية، حتى يصبح القرآن دماً يجري في أوداجه، وثقافة أساسية في حياته، وفي هذا الصدد يقول الإمام علي
: «إذا قال المعلم للصبي قل بسم الله الرحمن الرحيم، فقال الصبي بسم الله الرحمن الرحيم، كتب الله براءة للصبي وبراءة لأبويه وبراءة للمعلم».
الفقيد الشيرازي... نموذجاً وهذا ما كان عليه فقيدنا الفقيه آية الله السيد محمد رضا الشيرازي قدس الله نفسه الزكية، حيث احتضن والتصق بالقرآن منذ نعومة أظافره، حيث التحق بمدارس حفاظ القرآن الكريم بكربلاء والتي كان لها دور عظيم في احتضان الطلاب منذ طفولتهم، لغرس الثقافة الإسلامية فيهم وتربيهم التربية القرآنية في تلك الفترة الشفافة.
فصار فقيدنا ذلك الطالب المميز في ولعه بالقرآن الكريم حتى حفظ سورة البقرة وهو في سن مبكر. واستمر على هذا المنوال حتى التحق بحلقات دروس «بحوث في القرآن الحكيم» وتفسير سورة البقرة الذي كان يقيمه آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي «حفظه الله» في الكويت، و استفاد من تلك الدروس حيث قام بتأليف كتابه القيم «كيف نفهم القرآن» والذي أوضح في مقدمته أنه: خطوة إلى فهم القرآن بشكل آخر.. والتعامل معه بشكل جديد.
دعوة للتدبر... تلبية للدعوة القرآنية الصريحة والداعية لممارسة عملية التدبر والمتمثلة في قوله تعالى:
﴿ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ﴾ «محمد: 24».
ومن منطلق ما ورد عن الإمام علي بن الحسين
: «آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر ما فيها»
[3] . وقول الرسول الأكرم
«إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا مأدبته ما استطعتم».
فقد مارس الفقيد الراحل عملية التدبر في القرآن، ودعا لها باعتبارها «الطريق الطبيعي للعمل بما جاء في القرآن الكريم»وهذه العملية لا تختص بفئة دون أخرى فـ «الجميع يستطيعون أن يتدبروا في القرآن، ويستنبطون مفاهيمه ـ كل على قدر علمه وذكائه ـ «طبعاً: باستثناء آيات معينة يحتاج الغور فيها إلى خبرة الاختصاصيين كآيات الأحكام وشبهها»».
منهج التدبر في القرآنقال الإمام علي
:«اقرأوا القرآن واستظهروه، فإن الله تعالى لا يعذب قلباً وعى القرآن»
[4] . ولكي نعي القرآن لابد من إتباع منهج يرشدنا إلى ذلك، وهذا ما قام بكتابته فقيدنا الراحل، حيث بيّن في كتابه «كيف نفهم القرآن» أن المنهج يعتمد على طرح مختلف التساؤلات حول الظاهر القرآنية.. فكل آية من القرآن الكريم مجال خصب لطرح تساؤلات عديدة.. وعلى الفرد الذي يحاول التدبر في القرآن أن يثير في عقله هذه التساؤلات.. ومن ثم: يحاول الإجابة عليها..
وهذه التساؤلات يجب أن تتناول ما يلي: معنى الكلمة. تخيّر الكلمة. موقع الكلمة. الشكل الخارجي. التسلسل المعنوي، والتناسب في الانتقال من غرض إلى غرض. التصنيف. وقد قام بشرح كل فقرة شرحاً وافياً، مع إعطاء أمثلة توضيحية.
كلمات خالدة... وهنا نذكر بعض الفقرات والكلمات الرائعة التي سطرها الفقيد الراحل حول القرآن:علينا ـ الآن ـ أن ننفض عن أنفسنا غبار الماضي... ونبدأ في تعامل جديد مع القرآن.. كما أراده الله سبحانه منا.. حتى يغير الله ما بنا.. ويأخذ بأيدينا إلى القمة...
إن القراءة الميتة للقرآن لا تعني أكثر من كلمات يرددها اللسان دون أن تؤثر في واقع الفرد التأثير المطلوب. أما التلاوة الواعية فهي تتجاوز اللسان لكي تنفذ إلى القلب، فتهزه، وتؤثر في اتجاهه.
إن هنالك خيارات صعبة وعديدة تطرح أمام الفرد، وأمام الأمة.. كل يوم.. ولاختيار الطريق السليم بين هذه الخيارات.. لابد من الرجوع إلى القرآن، والتدبر في آياته.
على الإنسان أن يكون التلميذ المتواضع أمام القرآن.. عليه: أن يسيّر نفسه وفق ما يريده القرآن لا أن يسير القرآن وفق ما يريده.. عليه أن يحكم القرآن في أفكاره ورؤاه.. وليس العكس.
رحم الله فقيدنا الفقيه وجعل الله القرآن شفيعاً له يوم القيامة كما صرح بذلك الرسول الأكرم
: «أقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه».