السلام عليك يا رسول الله.. السلام عليك يا حبيب الله..
نشهد أنك قد أديت الأمانة وبلغت الرسالة ونصحت الأمة وجاهدت في سبيل الله حتى آتاك اليقين، ونُشهد الله تعالى على أننا نحبك يا سيدي يا رسول الله، ونحب مَن يحبك، راجين المولى أن يحشرنا بفضله وعفوه ثم بذخر هذه المحبةِ معك، ويوردنا حوضك، نشرب بيدك الشريفة منه شربةً لا نظمأ بعدها أبدًا.
ولا شك أنها سعادةٌ كبرى وفرحةٌ عظمى نحس بها ونحن نسترجع جوانب من سيرتك العطرة في ذكرى مولدك الشريف ونقوي بها إيماننا ونشحذ بها هممنا ونملأ عواطفنا من غير تبديل ولا ابتداع ولا تقليل.
فنحن نحبك حب المتبع لهديك السائر على ضوء مشكاتك الربانية.
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)﴾ (الأحزاب).
نحبك يا مَن أرسلك ربك رحمةً للعالمين.
نحبك يا سيدي يا رسول الله لأن:
- محبتك من شروط الإيمان "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".
- محبتك سبب لحب الله لنا.. قال أصحاب رسول الله: يا رسول الله إنا نحب ربنا حبًّا شديدًا فأنزل الله تعالى ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ﴾ نحبك لأن:
- محبتك سببٌ لحصول حلاوة الإيمان في القلب "ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمانِ: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يُحب المرءَ لا يُحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار".
- محبتك سبب لمرافقتك في الجنة: سأل صحابي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنَّ الرجلَ يحب القوم ولم يلحق بهم، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "المرء مع من أحب".
- لأنك الأسوة الحسنة لمَن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا: قال تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
- نحبك- صلى الله عليك وسلم- لأنك أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
- نحبك- صلى الله عليك وسلم- لأنك دعوة إبراهيم ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)﴾ (البقرة). ولأنك بشارة عيسى وموسى، قال- صلى الله عليه وسلم- "أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى".
- نحبك- صلى الله عليك وسلم- لأنك طاهر النسب صادق اللسان أمين الخلق.
- نحبك- صلى الله عليك وسلم- لأن الله أقسم بحياتك دون غيرك من البشر ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.
- لأنك بلَّغت الرسالةَ وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في سبيلِ الله حتى أتاك اليقين فسلامٌ عليك.
- نحبك- صلى الله عليك وسلم- لأنك نموذج للتكامل البشري والسمو الإنساني وأنت المثل الأعلى في ذلك فقد أدبك ربك فأحسن تأديبك.
ولم تجتمع صفاتك وشمائلك وخصالك المتكاملة فيبشر غيرك عبر الزمان.
قال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
وقال عنك ربك: ﴿إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم).
وإذا كنا نحب رسول الله فإنَّ الحب لا بد له من واقع يترجمه.. فلنتعاهد على:
- طاعته فيما أمر، فمن لا يتبع الرسول- صلى الله عليه وسلم- فإنه يدعي الحب ولا يحب فإنَّ المحبَ لمَن يُحب مطيع ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)﴾ (آل عمران).
روى مسلم عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: "كنت ساقي القوم، يوم حُرمت الخمر، في بيت أبي طلحة. وما شرابهم إلا الفضيح: البسر والتمر. فإذا منادٍ ينادي. فقال: اخرج فانظر. فخرجت فإذا منادٍ ينادي: ألا إنَّ الخمر قد حُرِّمت. قال فجرت في سككِ المدينة. فقال لي أبو طلحة: اخرج فاهرقها. فهرقتها".
ومن مظاهر المحبة أن يكون هوانا تبعاً لما جاء به "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".
فقدم مراده على مرادنا قولاً وفعلاً.
أن يكون أحب إلينا من الأهل والمال والنفس والناس أجمعين.
قال عمر- رضي الله عنه- لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-"لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي" فقال صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" قال عمر: فإنك الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي فقال- صلى الله عليه وسلم- الآن يا عمر.
- نصرة سنته والذب عن شريعته فقد بذل- صلى الله عليه وسلم- وهو حبيب الرحمن جميع طاقاته ليخرج الناس من الظلمات إلى النور وإنقاذهم من النار بذل أقصى جهده لتكون كلمة الله هي العليا.
وكذلك فعل أصحابه المحبون الصادقون معه وبعده.
فهذا أبو بكر يهاجر بماله كله وبنفسه ويترك عياله ليس لهم إلا الله.
وهذا أنس بن النضر في أحد يقول لإخوانه حين رآهم جالسين والحزن يكسوهم: ما يجلسكم قالوا قُتل رسول الله.
قال: فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه. ثم استقبل القوم فقاتل حتى قُتل فما عرفته أخته إلا ببنانه.
وهذا أبو بكر الصديق يتصدى لمَن منع الزكاة ويقول: لا ينقص الدين وأنا حي.
الدعاء والتمني أن يحشرنا الله معه في الجنة.
فقد جاء في صحيح مسلم أن ربيعة بن كعب الأسلمي- رضي الله عنه- كان يبيت عند رسول الله فأتى الرسول بوضوئه وحاجته فقال له- صلى الله عليه وسلم-: سل.
فقال ربيعة: يا رسول الله اسألك مرافقتك في الجنة فقال: "أو غير ذلك؟".
فقال ربيعة: هو ذاك.
فقال- صلى الله عليه وسلم-: "فأعني على نفسك بكثرة السجود".
روى سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصارِ إلى رسول الله وهو محزون فقال له النبي: يا فلان مالي أراك محزونًا قال: يا نبي الله شيء فكرت فيه، فقال ما هو قال: نحن نروح ونغدو وننظر إلى وجهك ونجالسك وغدًا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك فلم يرد عليه النبي شيئًا فأتاه جبريل بهذه الآية الكريمة﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا (69)﴾ (النساء) فأرسل إليه النبي يُبشره.
- أن نحس بأن فقد رؤيته أشد علينا من فقد أي شيء من الدنيا.. قال- صلى الله عليه وسلم- في ما معناه "مَن ابتلي بفقدِ عزيز فليتأس بمصيبة فقدي".
- الاستعداد التام لبذلِ النفس والأموال دونه.
جاء في سيرةِ ابن هشام أن زيدًا يقول له أبو سفيان- وكان لا يزال على الشرك-: أنشدك الله يا زيد أتحب محمدًا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك؟ قال: والله لا أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه فتصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي.
وهذا سعد بن الربيع بعد أحد يتفقده رسول الله وأصحابه فوجده أحدهم جريحًا وبه رمق فقال له: إن رسول الله أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟. قال: أنا في الأموات فابلغ رسول الله عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته. وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذرَ لكم عند الله أن خَلُصَ إلى نبيكم ومنكم عين تطرف ثم مات.
- كثرة الصلاة عليه والدعاء له بالوسيلة والدرجة العالية الرفيعة بعد كل أذان وليلة الجمعة ويومه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
- محبة آل بيته والدعاء لهم والذود عن سيرتهم.
فقد قال- صلى الله عليه وسلم-:"فاطمة بضعة مني فمن أغضبها اغضبني"، وقال عليه الصلاة والسلام: "من سبَّ عليًّا فقد سبني"، وقال عليه الصلاة والسلام: "الله الله في أهل بيتي".
- ومظاهر محبته أن لا نرضى بحكمٍ أو رأي أو شرع يُخالف ما جاء به من الكتاب أو ما كانت عليه سنته وحكمه ونقدم سنته وحكمه على كل رأي وسنة وحكم قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا (36)﴾ الأحزاب |