إن الموضوع الذي يتناوله هذا المقال يحتاج من القارئ الكريم إلى فضل تأمل؛ ذلك أن مسؤولية اختيار وانتقاء اسم المولود الجديد هو واجب كبير من واجبات الأولياء إزاء ذويهم، كما أنه حق من حقوق الأبناء؛ لأن الاسم فضلا عن دلالته على المسمى هو رمز يثير في نفس صاحبه مشاعر مختلفة وأحاسيس متباينة، كما أنه أثر لانعكاس إيجابي أو سلبي في حيات صاحبه وحامله.
قد تبدأ عملية انتقاء الاسم عند الوالدين منذ الحمل أو قبله أو عند الوضع أو بعده، وفي كل الأحوال هي عملية حسلسة تعد بمثابة قرار عائلي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لحامل الاسم، فقد يسعد به صاحبه ويرضى باختياره؛ لأن والديه أحسنا التسمية وقاما بواجبهما خير قيام لاعتبارات دينية أو اجتماعية أو عائلية.
وقد تكون التسمية من باب جلب الأذى مستقبلا لحاملها بسبب سوء الاختيار وغياب التوفيق في ذلك.
مما تدعو الضرورة صاحبه اللجوء إلى القانون لتعديل الاسم وتغييره.
إن اختيار الوالدين أو من يمثلهما للاسم قد يكون استجابة لمطلب ديني أو تجسيدا لعرف سائد أو تقليدا مألوفا أو تلبية لدوافع ذاتية كتخليد اسم أحد أفراد العائلة المبجلين أو تذكيرا باسم عزيز مفقود ترك فقدانه أثرا بالغا وسط العائلة، أو اقتداء بصالح من الصالحين. ظنا بأن تذكر اسمه على الدوام يثير مشاعر خاصة، أو ولاء صادقا أو ما سوى ذلك.
ليست الأسماء في الحقيقة سوى نتيجة مواضعات واصطلاحات كما هو الشأن للغة الإنسانية، وهي وليدة الاشتقاق، وسواء اشتقت من أسماء المعاني المجردة أو أسماء الذوات من حيوانات ونباتات وجمادات وغيرها؛ كمحمد المشتق من الحمد، وأسامة الذي هو من ألقاب الأسد، وشريف المأخوذ من الشرف، وفريد الدال على الندرة، وجعفر الدي معناه النهر الصغير، وغادة بمعنى الشجرة الغضة، وبدر نسبة للكوكب المعروف..وهكذا.
وما أَلِفَهُ الناس أن التسمية تخضع لاعتبارات مختلفة؛ منها المحافظة على التقاليد الخاصة بالعائلة كتوارث أسمائها ظنا منها أن ذلك يدخل في خانة الوفاء للأسرة، وبذلك تقوم بإطلاق اسم الجد على ابنها البكر أو اسم الجدة إن كانت المولودة أنثى، ولا ضير في هذا التقليد إذا ما كان الاسم المختار لحامله الجديد لا يثير اشمئزازا، ويتناسب مع ما يُتداول في عصره من أسماء، وقد يكون سببا في إحراج صاحبه إذا كان الأمر بعكس ذلك؛ لأن بعض الأسماء عفا عنها الزمن، وقد تسبب لأصحابها من الحيرة ما لا يطاق، وقد تخضع لدوافع أخرى مختلفة منها ما يكون لاعتبارات دينية كإطلاق أسماء الأنبياء والخلفاء والصحابة تبركا وتيمنا بها، ومنها ما يكون لاعتبارات اجتماعية كالتسمية باسم شخص نال مكانا مرموقا في مجتمعه من مثل أسماء رجال الأدب أو الاجتماع أو الفن أو السياسة أو الرياضة.
وأصحاب التسمية يعبرون بذلك عن رغبتهم وطموحهم في أن يكون وليدهم شبيها بما اختاروا له من اسم. ومنها ما يكون بدافع التفاؤل كما هو مذهب العرب في تسمية أبنائها؛ فمنها ما سموه بنائل وناج وسالم وسليم وسعد وسعيد تفاؤلا به للأنباء، أو ترهيبا للأعداء نحو غالب وغلاب، ومنازل ومقاتل وضرغام وما أشبه ذلك.
وقد سئل العُتْبِيُّ: ما بال العرب سمت أبناءها بالأسماء المُسْتَشْنَعة، وسمت عبيدها بالأسماء المستحسنة؟ فقال: لأنها سمت أبناءها لأعدائها، وسمت عبيدها لأنفسها.
تختلف التسمية باختلاف اللغة والحضارة، فلكل أمة نظام خاص بها في هذا المجال، تتوارثه وتتناقله ثم ثم تعمل على تطويره وتُسِنُّ له القوانين، وتصنع له المعاجم والقواميس الخاصة به.
ولعل ما يثير التساؤل في هذا الموضوع هو الاضطراب الذي يقع فيه الناس عند اختيار الأسماء لمواليدهم الجدد لأسباب مختلفة قد تعود إلى نقص في التوجيه الإداري وقلة الدلائل(ج دليل) التي توجه المُسَمِّينَ غلى كيفية اختيار الأسماء السليمة المبنية على أسس لغوية واشتقاقية منتقاة بإحكام من قِبل مختصين وهيئات رسمية تتابع ذلك وتعمل على تجديده باستمرار.
إن قراءة متأنية للأسماء المتداولة في مجتمعنا العربي تكشف عن غياب ذوق خاص في إنتقاء الأسماء مما حدا ببعض الناس إلى الولع بتقليد الأسماء الأجنبية التي تجعل منا مجتمعا يتملص من تقاليده وأعرافه، ويتقمص شخصية غيره مع أن تراثنا زاخر في هذا الميدان.
ومن جهة أخرى يمكن إزالة النقاب عن خلط كبير عندنا في موضوع الاسم واللقب والكنية، وقد ميز علم العربية بين هذه المصطلحات النحوية الثلاثة، وكشف عن أن الاسم هو: ما دل على مسمى للإشارة به إليه، في حين أن اللقب هو ما أشعر بمدح أو ذم أو برفعة المرء أو ضعته كالأمير، وزين العابدين، والجاحظ، والأعشى، والحطيئة، والفاروق، وأنف الناقة، والكذاب..وغير ذلك، وقد يزول بزوال الظروف والأسباب التي أوجدته. أما الكنية: فهي ما صدر بـ:"أب" أو "أم" وقد انفردت به العرب، وهي من مفاخرهم، ولم تكن لغيرهم من الأمم، ومن مذهبهم اللجوء إليها لصيانة الاسم من الابتذال والتداول، ولذلك يستحسن العربي تكنية الرجل باسم نجله فيناديه قائلا: يا أبا فلان..وما كان يؤهل لها إلا ذوو الشرف من قومهم، قال الشاعر:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه-والسوءة اللقب
ومن الضروري أن يكون المُسَمُّون على علم بهذه الفروق، وعلى دراية بنظام التسمية وأصوله حتى يكونوا مدققين في اختيار الاسم المناسب للمولود.
ومن جهة أخرى فقد أسهمت ظروف الاستعمار – في الأقطار العربية؛ مشرقها ومغربها- بسلبية في نظام التسمية وذلك بتحريف الألقاب الممنوحة؛ ذلك أن من صاغها حكم فيها ذوقه ولغته جهلا منه بخصوصيات وعادات وتقاليد هذا المجتمع، ولذلك ولدت هذه ألسماء من بدايتها محرفة ومشوهة خالية من أدنى ذوق، تفتقر إلى الدقة في الدلالة مما جعل أصحابها في فترة لاحقة ينفرون منها ويلجؤون إلى الجهات المختصة من أجل تعديلها وتغييرها.
وإجمالا يمكن القول بأن اختيار الأسماء للمواليد هي عملية في غاية الأهمية ينبغي التحكم فيها وتوجيهها بناء على ما يزخر به تراثنا من أسماء، وفي لغتنا وسعة اشتقاقها ومعانيها ما يغنينا عن جلب الأسماء المستوردة التي لا تعبر بالضرورة عن انتمائنا الحضاري .