لقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية القراءة -" القرآن" مصدر من الفعل "قرأ" على بعض الأقوال- فأول كلمة أنزلت منه على النبي الأمي، للأمة الأمية " اقرأ"، ولقد تلقى سلفنا الصالح هذا الأمر الإلهي الكريم بالحفاوة والاهتمام حتى بلغ الشأن ذروته، لما استقر الحكم في الخلافة العباسية، زمن المأمون الذي كان يكافئ كل عالم بوزن كتابه ذهبا!! وأسست دار الحكمة، وتنافس العلماء في تأليف الكتب وترجمة الثقافة اليونانية وغيرها، وكذلك الشأن للأمويين في الأندلس الذين أسسوا المكتبات عرض البلاد وأخذ الأوربيون يتعلمون العربية ليغترفوا من مكتباتها، ويزاحموا المسلمين في حلق العلم، وفي الغرب اليوم تزدهر طباعة الكتب ونشرها بأعداد لا يأتي عليها الحصر وتنفق الأموال الضخمة على التأليف والبحث العلمي، ويربى الولد على القراءة قبل أن يعرف حروف الهجاء، يقرأ له أبوه أو أمه قبل نومه صفحات من كتاب، فإذا بلغ أشده واستوى أصبحت القراءة له كالأكل والشرب، وقد طالعت أن أحد الأساتذة يعمل في إحدى الجامعات الأمريكية التي تبعد عن إقامته مسيرة ساعة ونصف ذهابا ومثلها إيابا بالسيارة، ترك سيارته الفارهة، ليستقل "الميترو" حتى يستغل الثلاث ساعات في القراءة، وحدثني أحد الأصدقاء الذيين قضوا بعض الوقت بفرنسا، أنه ذات يوم كان مسافرا بين بلدتين فاستقل حافلة، وكان كل الركاب مشتغلين في المطالعة ما عداه والسائق وعجوزا طاعنة في السن بجنبه؛ شغلت نفسها بالحياكة اليدوية، فأخرجت كتابا من جعبتها وقالت له: إما أن تقرأ أو تنسج عني لأتفرغ أنا للقراءة..!؟ فكم كتابا ينشر في بلاد المسلمين؟ وكم عندهم من المكتبات العمومية؟ وكم يقضون في المطالعة والقراءة؟ للأسف الشديد النتائج مخيبة، منتوج الدول الإسلامية مجتمعة من الكتب قد لا يصل سدس أو ثمن أو أقل من ذلك مـما تنشره أقل الدول الأوروبية اهتماما بالكتاب، وأكثر الدولة الإسلامية إنفاقا على البحث العلمي؟ تركيا كما سمعت في حوار أجري مع الدكتور المصري أحمد زويل، تركيا تنفق في عهد أردوغان: 2 بالمائة من الإنفاق العام للدولة، أبهذا نريد اللحاق؟ أبسير السلحفاة؟..
إن أهمية القراءة تكمن في كونها وسيلة نقل العلم إلى الأجيال البشرية، تنقل ثمرة التجارب التي خاضها الإنسان في مختلف العصور، ومختلف الأماكن والبيئات والحضارات، تنقلها على طبق من ذهب، تختصر التجارب البشرية، فإن العالم يقدم لك خلاصة تجاربه التي قضى عمره ليستنتجها في لمح البصر لتكون أرضية لمن يجيء بعده فيكمل المسيرة، فيحدث ترسب المعرفة الإنسانية ككرة الثلج كلما تدحرجت ازداد حجمها وكذلك العلم البشري، كما قال الله تعالى:"...ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا"، أشار القرآن الكريم إلى مجيء الزمن الذي يتواصل فيه الجهد البشري بين أبناء الجيل الواحد والأجيال المتلاحقة، ففي المخترعات يحسن اللاحق ما أنتجه السابق وهكذا:" مثل جهاز الحاسوب"، يشير القرآن إلى أنه مهما بلغ الجهد البشري لن يستطيع أن يأتي بمثل القرآن الكريم كلام الله رب العالمين الذي أعجز الإنس والجن أن يأتوا بمثله.