| الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| |
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:33 pm | |
| ميثاق القراءة سهل أن يكشف الإنسان عن أمراض المجتمع فيبدع قصة واقعية تفوح منها رائحة النتانة إلى الحد الذي يحس معه القارئ بأن الكاتب يدعو لها ، وبأنها مما يفرضه الواقع ولا سبيل إلى اجتنابه ، سهل أيضا أن يتغاضى الكاتب عن برك الواقع الآسن ، فيرسم صورة زاهية للمجتمع بالطهر والمسؤولية ، بالقيم السامية والمبادئ الإسلامية الحنيفة متغاضيا عن أمراض المجتمع بدعوى الاحتشام ، معتقدا أنه بالسكوت عنها سيلغيها ، وبالحديث عنها سيفشيها.لكن في هذه القصص أنحو منحى مغايرا تماما، إنني أصور حالات من أجل أن يعيها القارئ وأعبر عن موقف مستمد من القيم الإسلامية، لكنني لا أفرضه على القارئ فرضا، بل أدفعه من طرف خفي ليكشفه عن طريق الإيماء والإشارة.ليس ضروريا أن تكون نهاية القصة متفائلة لتدخل في نطاق الأدب الإسلامي ، ليس ضروريا أن يكون أشخاص القصة أتقياء مؤمنين ، ليس ضروريا أن يكونوا عربا مسلمين لتكون القصة إسلامية ، ليس ضروريا أيضا ترصيع القصة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية حتى تكون القصة إسلامية ، لكي تكون كذلك ينبغي أن يصور الكاتب حالات من صميم المجتمع ، حتى يعيها القارئ دون أن يحس بأية وصاية مفروضة.هكذا سيتنفس الأدب الإسلامي روح الحياة ، وسينافس الآداب العالمية التي تستبد بألباب الشباب على المستوى الجمالي ، وليس على المستوى المضموني وحسب ، ولعلنا بذلك نكون أكثر وفاء بما كان يطمح إليه الندوي وعماد الدين خليل وغيرها ممن حملوا هم الأدب الإسلامي. | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:34 pm | |
|
النجـــــــــــم انتهت السهرة بصخبها وأضوائها الصارخة ... وخرج النجم وسط المعجبات والمعجبين منتشيا،محاولا الانفلات بمشقة من بين الأيدي والسواعد التي لا تطمع في أكثر من نظرة من عيونه الآسرة ،أو عبارة تافهة يكتبها على ورقة مذكرة ... ألقى بنفسه على المقعد الخلفي للسيارة وأمر السائق بالانطلاق، طلب منه تشغيل شريط أغانيه الجديد وأغمض عينيه بعد أن ألقى برأسه على وسادة المقعد،ظل مستلقيا وهو يخمن رأي خطيبته في الشريط ، هو يعلم مسبقا أنها ستعجب به كما أعجبت بكل أغانيه السابقة ، أو ليست هي ما جمع بينها فقد كان يغني في حفل زواج صديقه عندما التقت به وعبرت له عن إعجابها بصوته وطريقة أدائه ووسامته.قطع شريط ذكرياته صوت سائق السيارة الذي أوصله للمنزل:ـ سيدي لقد وصلنا .ـ إذن يمكنك الانصراف سأبقى هاهنا قليلا.بدأ يفكر فيما،يمكن أن يفعل في ساعة متأخرة من الليل كهذه. هو لا يشعر بالنوم كعادته عندما يحتسي الخمر قبل كل سهرة .ويحس بنشوة فائقة ، ورغبة في الانطلاق ...نزل من مقعده الخلفي وتحول للمقعد الأمامي ، سيطوف بشوارع المدينة شارعا شارعا ...أدار المحرك وانطلق ، عنت له فكرة ... لماذا لا تطير السيارة كالطائرة ؟؟..، حاول أن يجرب رفع سرعة سيارته ،أحس بأنها ستقلع ... ظل يردد : ـ سأطير ... سأطير ...... فتح عينيه،أراد أن يقوم لكن ألما شديدا قيده ،مرر عينيه على محيطه ، وجد نفسه وحيدا في غرفة باردة ،معظم جلده كان مكسوا بقماش أبيض ... فتح الباب دخل الطبيب قائلا :ـ حمدا لله على سلامتك .ـ أين أنا ؟ـ في المستشفى ، الحادثة كانت خطيرة ،كادت تودي بحياتك .تذكر أن آخر عمل قام به هو أنه حاول الطيران بالسيارة ،أحس بالخجل وصمت.انهال الزوار على النجم الكبير محاولين الاطمئنان عليه ،كان من بينهم رجال الإعلام الذين سارعوا لنشر صوره الجديدة على صفحات مجلاتهم ،الصور التي بدا فيها لأول مرة ملفعا بالبياض لتصبح في النهاية أبعد ما يكون عن الفتى الوسيم الذي ازدانت به صفحات مجلاتهم .بدا على كرسيه المتحرك ، بالندوب التي اعتلت وجهه ونظراته الدابلة كما لو كان قدم من عالم الأشباح ...رويدا رويدا بدأت الزيارات تقل وبدأ المعجبون والمعجبات بمن فيهم خطيبته يستعيضون عن حضورهم بباقات ورد كتبت عليها عبارات الاعتذار عن عدم زيارتهم له لكثرة مشاغلهم ... وعاد النجم لمنزله وحيدا كسيحا بعدما فقد الأطباء ، الأمل في وقوفه على رجليه ثانية ،لأنه أصيب بكسر في عموده الفقري ... ولأنه علم أنه بعد الآن لن يستطيع صعود درجات السلم بسهولة ليصل إلى غرفة نومه كالمعتاد فقد أوصى بأن تهيأ الغرفة الأرضية التي كانت لوالده قبل وفاته حتى تكون مستقرا جديدا له .انزلقت دمعات على وجنتيه وهو يهم بدخول مكانه الجديد محمولا على كرسي متحرك .بدأ يتأمل كل شيء في الغرفة ... تذكر والده ،أمسك بالسبحة التي وضعت على طاولة صغيرة ...أحس أنه يلامس أصابع والده... أمسك بكتاب وضع إلى جانبها بدأ يقرأ... أحس بسكينة ما عهدها من قبل قرأ وقرأ وقرأ ... تذكر أنه ما أمسك بكتاب منذ أن كان صغيرا ، منذ أن كان والده يعلمه أصول التجويد آملا في أن يكون ابنه يوما ما مقرئا...أحس بالألم لأنه لم يأبه لوصية والده ،ولم يحقق رغبته التي انحرف عنها بعيدا ...لكنه في الوقت ذاته أحس أن الوقت لم يمض وأن بوسعه أن يبتدئ من أسلم نقطة انتهى عندها ... بعد أشهر كانت الأسواق تعج بشرائط النجم وهو يرتل آيات من الذكر بصوته الدافئ الخاشع .الكثيرون علموا أنه بذلك ينفذ وصية الوالد التي شرد عنها حينا ، والكثيرون علموا بأن النجم يحس بسعادة ونشوة لأنه يعلم بأن روح الوالد هدأت في مقرها بعد أن عاد للسبيل الذي عهده له لكن أحدا لم يعلم شيئا عن الألم الذي كان يعتصر النجم عندما يعتقله سؤال واحد وهو :ـ أو كان ضروريا أن يصير كسيحا حتى يفهم معنى النجومية؟. | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:37 pm | |
|
الدُّرجة الجديدة + أحس سعيد بالارتياح وهو ينهي المحاضرة،لاح له المقعد الذي كان يلازمه في هذه القاعة بالذات أيام كان طالبا ،فبعد عشرين سنة من التحصيل المضني هاهو ذا يجني بعضا من ثمار تلك المعاناة ... لكن خاطرا سرعان ما كدر صفوه ،لقد كان دائما لعواطفه بالمرصاد ، دفن قلبه في وهدة من الأوراق كما يقول لأصدقائه دائما .مازال يذكر اليوم الذي حمله فيه أبوه على مغادرة المدرسة للبقاء رهن إشارة أمه بعد أن عزم على القيام بجولة تجارية في كثير من مدن وقرى الوطن لتأمين قوت الأسرة ، كان حينذاك قد بلغ مستوى السنة الثالثة الابتدائية ، وما كان تفوقه ليشفع له عند الوالد الذي كان قراره حاسما, قرارا أحال حياته جحيما بعدها ، كان الألم يمزقه وهو يرى أقرانه ذاهبين إلى المدرسة أو عائدين منها، بات يقلب دفاتره صفحة صفحة ويشم رائحة الحبر المعتق المنبعثة من الأوراق ، تتخطف عينيه ألوان الكتاب المدرسي... كان يبكي من حين لحين محاذرا أن تنتبه الأم لذلك ... يذكر كيف ألح على والده أن يعيده للمدرسة بعد أن رجع من سفره الطويل ، وكيف استجاب هذا بعد طول امتناع لسبب ليس يدريه إلى اليوم .وهاهو الآن أستاذ جامعي تسبقه شهرته حيثما حل يتحلق حوله الطلاب على الدوام ويحظى باحترام وتقدير كل الأساتذة الزملاء, لكن الأمر مازال يحول بينه وبين الحياة ، صمت والديه المريب حول مسألة زواجه يستفزه، يستفزه اجتنابهم المشاركة في الأحاديث العائلية العابرة إذا انحرفت باتجاه الموضوع ،يستغرب ضيقهما البين إذا حاول أحد الأقارب تكسير جدار الصمت المضروب على أحلامه كان ذلك يحرجه فيما مضى لكنه تعود على ذلك مع مرور الوقت.تهفو نفس سعيد لعش زوجي دافئ, يصبو لحياة تختلف تمام الاختلاف عن حياة أمه وأبيه، كانت حياتهما ولا تزال هادئة ، لكن ينقصها وهج باطني يستشعره حين ينفذ إلى فضاءات بعض البيوت ، أو حين يتراءى لعينيه طيف بهية الفتاة التي لا تبهر بجمالهها وحسب وإنما أيضا بسماتها الشخصية المتفردة يحس أنها شقيقة روحه ،تتفسح في دنى أحلامه الهاربة كل ليلة ، يخال أنها المرأة الوحيدة التي يمكنها أن تحقق له السكن الذي طالما طمح إليه...أحس في الآونة الأخيرة أنها تبادله الإعجاب نفسه ، تتتبع كل منشوراته ، تتبنى الكثير من آرائه ، نهجها الذي اختارته في إعداد الدكتوراه ذو طرافة ، بل إنه يشبه في نواح عدة نهجه هو ، كلما حادثها أحس أنها تتغلغل في أعماقه فتزهر في روحه أصقاع ظلت جرداء... خرج من القاعة التي أيقظت كل ذكرياته وهواجسه, لقيها, كاد أن يفصح لها عن رغبته في الزواج منها ، لكنه فضل أن يتريث ريثما يستطلع رأي والديه ، لاحت له قلاع الصمت التي نصبوها في وجهه والتي جعلته يعتقد أنهما يعترضان على زواجه لذلك اكتفى بالسلام وانصرف .... حين أفضى سعيد لأمه برغبته ،حدثته عن ابن الجيران الذي بلغ الأربعين ولم يفكر بعد في الزواج بل نذر حياته لأسرته الكثيرة العدد التي نقلها من حال إلى حال وجعلها قبلة الحساد ، كان حديثها طويلا ذلك المساء ، باحت له بطموحات أبيه التي تكبر كل يوم, تلك الطموحات التي ترتبط جميعها بوجوده ، فهو يحلم بأن يبني له سعيد المنزل الكبير الذي طالما حلم بها, ويريده أن يسترجع كل الأراضي التي باعها في لحظات ضيقه لأعدائه ...أفهمته أن الوالد يفخر به أمام الملإ ويعتمد عليه ، إنه يريد أن يقطف ثمرة تربيته وجهده ، وما ملازمته للمنزل بالرغم من أنه يتمتع بصحة جيدة ، ويتلقى عروضا مغرية للعمل إلا دليلا على أنه يريد أن يستمرئ حلاوة نتاج ابنه ...ما كان جواب أبيه بأحسن من جواب الأم بل إنه أنذره بالعقوق إن هو أقدم على ما عزم عليه، كان الوالد يراوغ في الكلام ، فتارة يستنكر استعجاله الزواج وتارة يلومه لأنه قرر الزواج من فتاة تعتبر عانسا في الأعراف الاجتماعية ومرة أخرى يحاول إقناعه بأن الفتاة تريد ابتزاز ماله ... وما أحرق مشاعر أمل سعيد هو أن والديه كانا يتحدثان بحرقة من يريد مصلحته وإشفاقا على نفسه من أن يزج بها في حمأة العقوق. تناسى فكرة الزواج ولم يخطر بهية الأمر ، استجاب لحكم الوالدين ، صار يتفادى لقاءها في ممرات الجامعة ... قرر أن يؤجل حلمه إلى أن يموت الوالدان ... مرت شهور ... صار يجد صعوبة في استحضار ملامح بهية. خانته ذاكرته ... لم يعد يستبين منها سوى الحجاب الأبيض المنسدل على رأسها وعيناها اللتان تنكسران قليلا إذا تحدثت ... كان قاصدا مرآب الجامعة حين التقى إدريس شيخ أساتذة الفرنسية كما يدعوه زملاؤه ، أخبره بنيته الزواج بعد عطلة رأس السنة وحذره من مغبة التغيب عن حفل الزفاف خصوصا وأنه أول المدعوين، تعجب سعيد لأمر هذا الرجل ، فبعد تجربة زواج فاشلة أثمرت ابنا وبنتا وفضائح كثيرة هاهو ذا عازم على الزواج ثانية بعد أن أحس أن العمر قد تقدم به ، لم يسأله عن العروس السيئة الحظ فلا بد أنها لاتعرف عنه شيئا أو أنها عجوز مثله تريد التخلص من عالم الوحدة بأية طريقة ...نسي الأمر وانشغل فكره بالندوة الدولية التي ستنظمها الكلية بعد أن أوكلت له مهمة الإشراف عليها قال له العميد : ( ستكون هذه الندوة حدثا علميا ) بعد عطلة رأس السنة لمحته بهية تقدمت نحوه ... علقت نظراته بيدها اليسرى قالت له:ـ أين غبت كل هذه المدة ... كنت أريد أن أخبرك بخبر سار ... تفضل هذه بطاقة دعوة لعرسي الذي سيكون موعده غدا إن شاء الله ، هل ستشرفنا أنا والأستاذ إدريس غدا؟ نزل الخبر عليه كالصاعقة حاول أن يتماسك ... ازدحمت الكلمات على شفتيه ولم تخرج ، استنجد بالسيارة .. في طريقه كاد يدهس شيخا دخل المنزل وجد والديه يحتسيان الشاي ... في تلك الليلة أحس أن فراشه مضرسا بالإبر ... أحس أن روحه تنزف وهو متجه نحو منزل العروسين بيده هدية لهما ... لم يستطع مواصلة الطريق ... لاذ بإحدى الحانات التي اعترضت طريقه ولأول مرة يتخطى عتبة حان ... طلب كأسا ثم ثانية ثم ثالثة ... كانت ابتسامته عريضة وهو يقدم الهدية التي كان يحملها إلى إحدى الموجودات بألحان قائلا :ـ هذه هديتك يا عروس ... يا بهية. أخدتها بكلتا يديها ، وقهقهت بملء فمها العفن... أحس بانتشاء طلب منها أن ترافقه إلى المنزل ، وضعت كفها في كفه وانطلقا ... ملأ الحي عويلا وعربدة ، كانت رائحة الخمر تمتزج بكلماته البذيئة فيلقي بها في وجه والديه وهو يصر على إدخال المرأة التي ادعى أنها زوجته بهية للمنزل ، حال أبناء الحي دون إدخالها... واستدرجوه وقد تمنطق بذراعيها إلى غرفة ابن الجيران ، ابن الجيران الذي حدثته عنه يوما أمه ، يتخذ الغرفة التي توجد في مدخل منزله مرتعا لنزواته الشخصية هو وسكارى الحي ... أقسم سعيد أن يولم لهم هناك ليلا ، وحين رفعت الموائد طلب منهم أن يحملوه وعروسه بهية على الأكتاف كما يحمل العريس والعروس ...فوجئ لدى عودته إلى المنزل بالوالدين يلحان عليه بأن يتزوج أخذا لتوهما يسردان لائحة بأسماء المرشحات للزواج به ، لاشيء يجمع بينهن سوى أنهن أصغر منه بكثير ، تذكر سعيد شيخ الأساتذة إدريس وهو إلى جانب بهية ، وتخيل نفسه إلى جانب واحدة من هؤلاء اللائي عرضت عليه أسماؤهن ، واستحضر معظم الزيجات التي حضرها في المدة الأخيرة والتي كان الزوج فيها دائما في سن والد العروس .بدأ يحدق في الوالدة التي كانت تنتظر جوابا وهو يقول : ـ هل هذه دُرجة جديدة ؟.+ الدُّرجة: هي ما درج الناس عليه (الموضة) | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:39 pm | |
| الإرث انعقد لسانه وجمدت الكلمات على حافة شفتيه وهو يسمع الخبر الذي خالته زوجته خبرا سعيدا قطب جبينه ونظر إليها نظرة لم تفهمها ، نظرة فريدة ما رأتها يوما تنبعث من عينيه منذ زواجهما ذلك الذي لم تمض عليه سوى أشهر قليلة.كانت عيناه تتحسسان بطنها بشكل يثير في نفسها إحساسا حادا بالرعب ، نظرته محملة بأحاسيس متنافرة لم تتبين منها سوى إحساسا واحد هو الألم ، توقعت ذلك ، فرجل مثله يفرحه كما يؤلمه أن يكون له ابن ، إنه ينتشي بذلك كما ينتشي كل رجل تجتاحه عواطفه الأبوة على حين غرة ، وهو أيضا يستشعر ذلك الألم الذي يستبد بعجوز مثله ، يستبعد أن يمهله العمر حتى يتمكن من تربية ابنه ، لذلك ابتسمت في وجهه وهي تقول علها تخفف عنه ما يجد:ـ سيكبر ، وسيعيش في كنفك إن شاء الله .لكنها أحست وكأنها وسعت دائرة حريقه الداخلي ، غدت نظرته أكثر حدة ، خالت للحظة أنه يفكر في أكثر من موضوع في الآن نفسه طفقت صامتة ، أحست وكأنها ارتكبت خطيئة بحملها منه ، فكرت مليا ، فلربما يحرجه ما يمكن أن يقوله أبناؤه الأربعة لذلك خرقت الصمت قائلة:ـ هم سيفهمون الأمر, القادم سوف يكون أخاهم أو أختهم ... ظل صامتا منزويا، إطراقته تلك حولت المكان إلى مرتع الأفكار المتناثرة هنا وهناك ، خاطبته وصوتها كالنحيب: ـ أرجوك تكلم ، ماذا هناك ؟ هل اقترفت ذنبا بحملي هذا ؟ أنالم أكن أعلم أن باستطاعتي أن أنجب في هذه السن ،لقد قضيت ما يقرب العشرين سنة مع زوجي السابق دون أن أنجب منه ...بقي الشيخ على حاله مدة طويلة ، كأنما لم يعد يحس بوقع الزمن كانت الأسئلة تتهاوى على ذهنها ، ولم تجد عند الرجل جوابا. أدركَت حينها أنه لا يريد الكلام وأن أمرا أكبر من أسئلتها أخرسه تغير وجه العجوز. بدا لها وهو يجول بنظراته المرتجفة غريبا ، أحست بالوحدة ، تملكها الخوف ... تمنت لو أنها لم تخبره ... لكنه كان سيعرف عاجلا أم آجلا ... تركته ودخلت غرفة النوم ... انتظرت طويلا عله يأتي ، لكنه ظل ملتصقا بمقعده ، انزلقت دمعة خافتة على وجنة الشيخ الذي لم يحس في حياته بالضعف سوى مرتين : يوم أرسل في طلب أولاده مناشدا إياهم كطفل قاصر أن يسمحوا له بالزواج ، وقتها أحس أن شيئا ما يختسف في أعماقه ، ربما هي أفكاره التي تبعثرت ، أو لعلها كلماته التي لم تعد تفي بما يريد قوله، ود أن يفهمهم إحساسه بالوحدة وشعوره بغربة من نوع خاص , غربة وجودية ، أراد أن يبوح لهم بالرعب الذي يستحوذ عليه وهو يتراءى لنفسه جثة هامدة أصابها العفن في منزل بارد مغلق لا يزوره أي منهم إلا في المناسبات ، لكن الكلمات ما أسعفته ... خرجت من فمه مبعثرة على غير عادته ، كان رجلا قويا رصينا ، لكنه وجد نفسه وقتئذ بئيسا بحاجة لمن يساعده على تخطي عتبة البوح والمصارحة ، ربما لأنه لم يكن من قبل في حاجة للتعبير عما يجول في خاطره ، لكنه حين أراد أن يتزوج ثانية وجد من الضروري استشارة أبنائه في المسألة ، وقد اشترطوا أن يوزع كل ثروته عليهم. تواً ودونما تفكير وافق, ربما رغبة منه في التخلص بسرعة من حرج ذلك الموقف ، أو لعله كان يستعجل حياة ما ذاق نعيمها منذ أن فارقته زوجته الأولى ذات صباح شتائي وهي على فراش الموت.وها هي ذي المرة الثانية التي يحس فيها الشيخ بالضعف ، بل برجة عنيفة تنذره بسوء ما فعل وبعسر الحساب يوم يلقى الله. من لطفله بعد موته ؟ انعقد السؤال في حلقومه وهو يتهيأ للرحيل ... انتظرت الزوجة زوجها طويلا عله يدخل غرفة النوم ... خرجت بعدما يئست من ذلك ، وجدته ممددا وقد فارق الحياة ، كانت عيناه جاحظتين ، رأت فيهما صورتها وهي منزوية على باب مسجد من المساجد تمد يدها اليمنى للداخلين والخارجين ودمعة حارقة تنزلق على وجنتيها وتهوي على وجنتي رضيع بين ساعديها ملفوف في قماط رث ... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:40 pm | |
| احتراق عش قررا عدم تأجيل الارتباط والعودة معا إلى أرض الوطن حتى يتما مراسيم الخطبة والعقد. كانت الرسائل كفيلة بأن تتولى إقناع أهل زهرة بأنور وكان سردها لحكاية موقفه الشهم معها في مكتبة الكلية لأبيها كافية لأن تجعله يقتنع بتدين الرجل ونبله ، ومن في ذلك البلد الأوربي يستطيع الدفاع عن امرأة عربية مسلمة لا حول لها من سخرية أحدهم من منديل رأسها ؟ أما عنه هو فكلمة في الهاتف أوحت برغبته في الزواج كانت كفيلة بجعل أبويه يطيران من الفرح ...تمت كل المراسم على خير وجه وتم الاتفاق على جعل الزواج بعد عودته النهائية من الخارج بعد إنهاء دراسته بصفة نهائية أما هي فبقيت في أرض الوطن ، فلا حاجة لعودتها بعد أن أتمت تدريبها النهائي ، ...عادت لعملها في انتظار رجوعه ... كانت رسائله دافئة كحلم وردي ، يبثها فيها حنينه وشوقه لها ، ولكل الأهل والأقارب كثيرا ما حدثها عن وحشته التي لم يستطع تبديدها أي من زملائه بالرغم من محاولاتهم المضنية...اقترب موعد عودته، وبدأت الأسرتان تستعدان لإقامة الحفل بمجرد وصوله حسب الاتفاق ، حلت زهرة بعشها الجديد مع الرجل الذي تفخر أنها اختارته ... لكن مكالمة هاتفية منه جعلتها تؤجل حلمها إلى أن يمر شهران سيمضيهما أنور حيث هو ، عبارة واحدة هي نفسها كررها لوالديه : " ظروف طارئة ".. تناسى الجميع خبر تأخره في العودة عندما رجع سالما ،ليجد عروسه في انتظاره بثوب الزفاف ، كان حفل الزفاف بسيطا يتماشى وإمكانيات العروسين اللذين سيبدآن حياة جديدة...بحثت زهرة عن الفرحة في عيني زوجها ،فلم تجدها ، وبحثت عن الحرارة التي كتب بها رسائله لها فوجدت ثلجا وصقيعا حاولت أن تفهم سر معاملته الباردة فلم تستطع أسئلة عديدة أحرقت البسمة على حافتي شفتيها وجعلت منها امرأة تنهشها الهواجس والتوقعات...مرت أيام والصمت يحرم ما أحل الله بينهما ، ويجعل عشها معقلا للألم ...فاجأها يوما بعد عودته من خرجة من خرجاته التي تكررت كثيرا منذ اليوم الأول من زواجهما برغبته في زيارة عائلتها ، رحبت بالفكرة ، واستجابت له ، فأخيرا عبر عن رغبة له أشركها فيها ، استعدت زهرة لتبدي على وجهها قناعا حتى تبدو عروسا سعيدة مع زوجها... لم تكن تريد أن يطلع أحد على سرهما ، بمجرد أن وصلا لمنزل أسرتها أبدى رغبته في الخروج ، أحست زهرة بالإحراج وهي تلتمس له الأعذار أمام والديها ، كانت تتوقع عودته لاصطحابها ، لكنه لم يفعل ، لذلك اضطرت للعودة إلى المنزل وحيدة تاركة أسئلة كثيرة علقت على مشاجب عيون والديها ...فتحت باب المنزل ...لم يكن موجودا كعادته وسيعود بعد منتصف الليل ليظن أنها نائمة فيخلد للنوم ليستيقظ مبكرا فيفطر ثم يخرج ...على حافة السرير لمحت ورقة فتحتها ، التهمت حروفها بعينيها... أصابها دوار وهي تعيد قراءة الورقة ، وكلمة الحوقلة تتردد على لسانها من حين لآخر ، كانت الرسالة لأنور يحكي لها فيها كيف أن زملاءه أرادوا تخفيف غربته في أرض المهجر بتشجيعه على إقامة علاقة غير شرعية مع امرأة اعترفت له بعدها أنها مصابة بالإيدز، وبعد أن أجرى التحاليل هناك خلال الشهرين اللذان تأخر فيهما ، ثبت أنه حامل للفيروس ،لم يستطع مصارحة أحد ، ولم يستطع إيقاف مراسيم الزواج ، كل ما استطاع فعله هو عدم إيذائها ... فضل العودة إلى الخارج حيث سيتم إجراءات الطلاق ... طلب منها العفو لأنه بنزوته أحرق عشا غضا ، وكلفها بمهمة إبلاغ الخبر لأهله... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:41 pm | |
| الخيار كانت خارجة لتوها من الأستوديو ، ركبت السيارة وبدأت تستعرض الحوار الذي دار بينها وبين الصحفي ... أحست بالحرج من بعض أسئلته الجريئة ،سألها عن أول كلمة سمعتها من زوجها الذي انتشلها من عالم الأزياء والموضة وأدخلها لعالم التمثيل ... شعرت بالإحراج لأن الكلمة كانت ساقطة لكنها تداركت الموقف كعادتها واختلقت كلمة في الوقت المناسب ...ما أصعب الحوارات الصحفية التي تفاجئ بأسئلة لم تكن في الحسبان ...تدخل الصحفي هذه المرة كثيرا فيما هو شخصي ، بسؤالها عن سر عدم إنجابها ،أجابته كالعادة إن عالم الف ، قد هوسها ، وإنها نذرت حياتها له... سؤاله ذاك جعلها ترتعش وهي تحس وكأنه يعلم أنها الآن وبعد انتهاء الحوار الصحفي هي على موعد مع الطبيب لإنزال الجنين الذي يتحرك في أحشائها ...حديث الصحفي عن الأمومة والبنوة حرك شيئا ما بداخلها ... حديثه أيضا عن الشيخوخة التي لحقت بالعديدين فظلوا وحيدين يعانون مرارة التهميش من أولئك الذين صفقوا لهم يوما ...نظرت إلى ساعتها بعد أن وقفت عند باب العيادة ... مازال على الموعد نصف ساعة قررت أن تقضيها في السيارة ، وضعت نظارتها الشمسية خوفا من عيون المعجبين...قفزت أسئلة الصحفي لذهنها ممن جديد ...تصورت نفسها أمّاً, أحست بنشوة غريبة... لأول مرة تتصور نفسها أمّاً. حتى عندما علمت بحملها أول مرة أحست بالرعب ... هي لا تعلم لماذا... هل تهديد زوجها لها بالطلاق إن هي أنجبت ؟ أم هو خوفها من أن يترهل جسدها فيغيب تألقها ... أحست بمرارة وهي تفكر في يوم تصبح فيه عجوزا ... زوجها أحبها لأنها جميلة ... زوجها ... تساءلت إن كانت العلاقة التي بينهما زواج !! . كان الجواب صعبا وهي تستعرض مسيرة علاقتهما كانت أول كلمة جمعتهما كلمة ساقطة تخجل حتى من ذكرها .. أحبها لأنها جميلة ... تزوجها ليضمن أنها لن تتعامل مع مخرجين آخرين استغلها واستغل جسدها أبشع استغلال ...لم يكن يتحرج من أن يراها العالم شبه عارية ... اشترط لدى زواجه منها أن تلغي من أحلامها فكرة الإنجاب ... لكنها لا تعلم لماذا وافقته؟ ربما لأنها طمعت في حياة تشبه الحياة التي كان يعيشها والديها .. الاستقرار ... الدعة ... هي من هجرت تلك الحياة طائعة ،رغبة في الشهرة والمال ... أحست بعد فوات الأوان أنها جرت وراء السراب وخسرت والديها للأبد... شيء ما يدفعها لأن تبقي على طفلها, فها هي تتصور نفسها تقتله تخنقه بكلتا يديها... تساءلت عن رد فعل زوجها إن علم برغبتها تلك ... لابد أنه سيطلقها كما فعل مع الأخريات ... لكنها سرعان ما أدركت أنها تغالط نفسها فحتى وإن وافق زوجها على الإبقاء على الطفل وعليها ، فهل سيكون أبا صالحا له؟ أهذه هي الحياة التي حلمت بها ؟ ...تراجعت قليلا وهي تفكر في اتجاه آخر ،ترى هل أصلح أن أكون أما ؟ سؤال أغرقها في يم من الاحتمالات ... والتوقعات والتصورات... تخيلت طفلها وهو ينظر لأشرطتها وأفلامها التي أخرجها والده ... صورها العارية في أبواب قاعات السينما .. الكلمات التي تغازل بها الرجال في أدوارها الجريئة... أحست بالخزي وهي تتخيل نفسها تنجب طفلة وتريد منها أن تكون صالحة ... ظلام احتوى قلبها وهي تجيب عن سؤال الصحفي أمام ذاتها العارية ...احتارت في أمرها ...لكنها خلصت إلى خيارين فإما أن تتخلص من جنينها وتضحي بغريزتها وإما أن ترضي ذاتها وتتخلص من صورتها المشوهة التي بذلت الكثير من أجل الحصول عليها ...أدارت محرك السيارة وانطلقت في اتجاه رسم صورة جديدة لنفسها قد تكلفها الكثير أيضا ... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:42 pm | |
| هو الذي رأى... تحلقت النسوة حول ميمونة التي بدت على غير عادتها تتساءل بحرقة وهي التي اعتاد أهل الحي أن يجدوا عندها الإجابات الشافية عن كل سؤال يعن لأي منهم ، بل تجدها في الكثير من الأحيان تجود بكل ما عندها من أخبار بتفاصيلها المملة من غير أن يسألها أحد ... إنها ميمونة ( صحفي الحي) كما يطلق عليها ... تحرص على معرفة كل المستجدات قبل أن تذيع. فهي تعلم بالتدقيق الشهر الذي سوف تلد فيه حوامل الحي ، وتعرف تفاصيل كل زيجة تمت بالمنطقة بدأ من علاقة الفتاة بالشاب قبل الزواج ، إلى المهر الذي دفع إلى نوع الأثاث الذي ثم تجهيز بيت الزوجية به ،وتسجل ميمونة حضورها قبل أن تزهق أرواح الأموات من أهل الحي ، حتى تشهد تفاصيل الاحتضار لحظة لحظة ...فالمسكينة في الخمسينات من عمرها لا عائل لها تستلذ برواية الجديد لجارتها في جلساتها المطولة معهن ، حتى تحظى بوجبة غذاء أو عشاء ، وقد تكون أكثر حظا فتحتسي عقبها كوب شاي منعنع ...هي ذي ميمونة تقتحم منزل هنية زوجة عبد الله ،لتعرف سر القصعة البيضاء الغريبة التي أحضرها الزوج صحبة الرجل الغريب ...لم تمر عشر دقائق حتى كانت صحفية الحي وسط النسوة تحدثهن بزهو من حقق سبقا لا يضاهى ، قالت إن الصحن ليس قطعة كسكس كما ظنت ، وإنما هو صحن هوائي يثبت بسور السطح ويوصل عبر أسلاك بجهاز التلفاز ، ويستطيع المرء بتحريكه أن يرى العجب كما قال عبد الله لزوجته ، هو نفسه رأى بأم عينه صلاة المغرب وهي تؤدى في المسجد الحرام مباشرة عند صديق له اقتنى الصحن الهوائي منذ مدة...بحاسة الصحفي المحنك لاحظت أن عيون النسوة تطرح سؤالا ملحا ، فهمته في رمشة عين، فالصحن حسب مواصفاته تلك يبدو غالي الثمن ، وعبد الله وزوجته هنية مستواهما المادي المتواضع, لذلك كانت إجابة ميمونة همسا وكأنها تبثهن سرا خطيرا : ـ لقد باعت هنية كل ما تملك من أساور ذهبية ورثتها عن المرحومة والدتها من أجل شراء الصحن ، ودفع الأجرة للرجل الذي حضر صحبة عبد الله لتثبيته على سور سطح المنزل ، وتلقينه طريقة تشغيله.لم تمض خمس دقائق على انفضاض جمع ميمونة حتى كانت هي وجاراتها رفقة أبنائهن وأزواجهن ممن صادف وجودهم في المنزل على الأسطح يراقبون عبد الله وهو يساعد الرجل على تثبيت الصحن... قدم الجميع التهاني للزوجين ولم يجد عبد الله بدا من دعوتهم مساء لرؤية العالم عبر صحنه العجيب ، أما هنية فقد انشغلت بترديد المعوذتين بصمت وهي ممسكة بمجمر البخور الذي أعدته بمجرد خروج ميمونة من بيتها خوفا من تلك العيون التي انغرست في الصحن...كعادتها كانت ميمونة أول الوافدين إلى منزل هنية متحججة برغبتها في المساعدة في إعداد الشاي للضيوف قبل وصولهم ، علمت ميمونة بطريقتها الخاصة أن أبا عبد الله وأمه سيكونان ضمن المدعوين وذلك ما جعلها تفهم سر عدم تشغيل عبد الله للجهاز بعد أن حضر كل المدعوين . كانت على يقين من أنه سيقوم بذلك فور حضورهما ، لذلك اختارت موقعا وسط النسوة يضمن لها رؤية كل شيء بوضوح تام ، بل إنها لم تبرحه منذ أن وصلا... كان المكان المخصص للرجال مستقلا عن المكان المخصص للنسوة ، إلا أن تصميم المنزل والمكان الذي وضع فيه التلفاز يخولان للحاضرين كلهم متابعة ما يجري على الشاشة دون أن يقع الاختلاط, تلك كانت فكرة عبد الله الرجل المتدين الغيور الذي توجه بتؤدة لجهاز صغير انغرست كل العيون فيه كالأوتاد وبدأ في تشغيله ،ضغط على الزر الأخضر وأخذ يستعرض القنوات بجهاز التحكم عن بعد ... توالت الصور ، وتحولت كل العيون إلى جهاز التلفاز ، كان عبد الله يضغط على الزر الأخضر تارة وعلى الزر الأحمر تارة أخرى ...الكل كان صامتا مشدوها أمام هذا الجهاز الذي صار يبعث على العجب ... الوحيد الذي كان يجرؤ على خرق هذا الصمت هو عبد الله الذي توجه بالحديث إلى والده قائلا : ـ انظر يا أبي ،هذا برنامج وثائقي في قناة ... وذاك الشيخ يوسف القرضاوي يجيب عن أسئلة المشاهدين، وهذه قناة متخصصة في الأخبار ... انظروا جميعا سأغير الاتجاه... إنها قناة أجنبيـ...شهق الجميع شهقة بنفس واحد !!. حاول عبد الله تغيير الاتجاه ... لم يفلح ، ضغط على الأزرار لم يتغير المشهد ... لم تتغير القناة ... خرجت النسوة متعثرات ،حتى ميمونة سحبت منديل رأسها وأسبلته على عينيها وخرجت مولولة ،تغير لون الرجال الحاضرين الذين لم يتهيئوا لمثل هذا الوقف ... نظر عبد الله يمنة ويسرة ،لمح والده ممتقعا،ممسكا رأسه بكلتا يده ، انقض على إبريق الشاي الموضوع على المائدة ،رمى به التلفاز،انفجرت الشاشة شظايا، كان راشد بن عبد الله عائدا من المدرسة حين اصطدم بالنسوة وهن يتدافعن نازلات أدراج المنزل. لمح ميمونة وهي تكاد تسقط متعثرة في أذيال ثوبها،بادرها بالسؤال: ـ عمتي ميمونة، ماذا حدث ؟ تظاهرت ميمونة بأنها لم تسمع سؤاله وحاولت التسلل, لكن الطفل الذي اعتاد منها الإجابة عن كل أسئلته بتفصيل أمسك بثوبها وثبت عينيه في عينيها مستنكرا،فيما راحت المسكينة تغمغم قائلة في صوت يشبه النجوى: ـ رباه ماذا أقول له؟ وهل ما رأيته مما يمكن أن يحكى؟ ما كان بوسع لسان صحفية الحي أن ينقل لصبي فضولي كراشد الصورة الماجنة التي تخطفتها عيناها ... فكرت قليلا وأخيرا اهتدت للإجابة قائلة : ـ اذهب يا بني ،واسأل أباك ... فإنه حتما سيجيبك ... فهو الذي رأى ...رقى راشد درجات المنزل .. لمح أباه يتجه نحو السطح تبعه ...كان الغضب يتطاير من عينيه وهو يعتلي السور ، رآه يمسك الصحن بكل قوة يهزه هزاً عنيفا محاولا اقتلاعه ... لم يقو على ذلك ... بدت له مطرقة على أرضية السطح ... نزل ... التقطها وارتقى السور ثانية.كانت أنفاسه تضطرم وهو يهشم الصحن بهستيرية ، حاول من جديد اقتلاعه من مكانه بقوة جعلته يهوي من السطح في اتجاه الحي تتبعه صرخة ابنه راشد التي دوت في المكان . | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:43 pm | |
|
سراديب اسم بعد أن أنهى الأستاذ طارق أيمن محاضرته القيمة ، سارعت لإبداء إعجابها بها واستأذنته في أن تجري حوارا صحفيا معه لم يمانع بل غمرها ببسمة وهو يثبت بالخط البارز موعد اللقاء على صفحة المذكرة ، كانت تلك أول مقابلة تجمعهما ، إحساس غامض تملكه وأوحى له منذ البداية بأن الحوار سيطول حتما وسيستدعي لقاءات أخرى ، شيء ما كان من حين لحين يعقل لسانه وهو الذي لم يعتد ذلك حتى في المواقف الحرجة ، عيناه الجارفتان كانتا تكملان العبارات الناقصة ... أحس بدبيب صوتها في أعماقه ، لكنتها وهي تحدثه عن اتجاهه في تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها ، أوحت لهه بأنه ربما كان يعرفها ، أو أنها ظلت ثاوية في زاوية من الزوايا القصية في مخيلته،طريقتها المميزة في اللباس وفي تثبت منديل رأسها تذكره بنساء بلدته . منذ زمن بعيد حرم دفء الوطن ، وظلت تتقاذفه المطارات حتى كادت تنسيه نفسه وحياته الخاصة ، وهاهو الآن وبمجرد أن رآها تراوده فكرة الاستقرار والزواج،تخيل بيتا يجمعهما وسعادة تلقي بظلالها عليهما، تخيل ثمرة حب وزاوج ،إنه يريد منها طفلا وطفلة .ملامح طفلته التي يحلم بها تطل من عينيها ، رغبة عارمة اجتاحته في أن تكون هذه الصحفية بالذات أما لطفلته المرتقبة التي ستوثق إلى الأبد رباط حبهما وتحرك فيه عاطفة الأبوة ،لطالما حلم بعش زوجي سعيد ، لكن قضايا الفكر ومشاكل المجتمع استهلكته ولم تسمح لقلبه بأن يهفو إلى امرأة كما كان يقول كثيرا لنفسه ولأصدقائه وللنساء خاصة ، وهاهي ذي الصحفية توقظ رغباته الدفينة ، هي أيضا اجتذبتها شخصية طارق أيمن فمع أنها لا ترتاح لبعض أفكاره الجريئة فإنها كانت معجبة بمجمل تصوراته التي لا تستسيغ تشييء المرأة وعبث الرجل بوجودها الإنساني ، كانت محاورتها له فرصة سانحة لفهم أفكاره أكثر وما كانت الشعيرات البيض التي تطل من فوديه لتثنيها عن إعجابها به ورغبتها في الاقتران به بعد أن عرض عليها الأمر بل إن تلك الشعيرات هي نفسها التي تجعلها أكثر قربا منه وتقديرا له .ربما لأنها كانت ترى مثيلاتها في شعر أمها ، رمزا للتضحية والتفاني والعطاء ، ذاك ما تأكدت منه عندما بدا يحكي لها بحرقة عن اغترابه القسري وهجرته البلاد سعيا وراء ترسيخ أفكار جديدة مناهضة لاستبداد الرجل وهو في عنفوان العمر ، وعن عدم ارتباطه بأية امرأة خوفا من أن يظلمها لكثرة مشاغله ، لم تجد فرقا بين تضحيته تلك وتضحية والدتها التي حكت لها عن بذلها الكثير من أجل تربيتها وتعليمها بعد موت الوالد، إلا أنها كانت تقدر أكثر عطاءه الذي لم يتحدد في فرد واحد بل تجاوزه ليصل إلى المجتمع بأسره داهسا في سبيل ذلك رغباته الشخصية وغرائزه البشرية التي استيقظت متأخرة...كانت الصحفية ترتفق كتف أمها وهي تحدثها عن طارق أيمن الذي استبد فجأة بمشاعرها وأسبغ عليها فيضا من الأحلام .لم تعترض الوالدة على الزواج وقد رأت عيني ابنتها ترسلان بريق الإعجاب والرضا.كان كل شيء مهيأ لاستقبال الخاطب الذي سيكون بعد أيام قليلة زوجها ـ فلن تطول مدة الخطبة ومراسيمها كما اتفقا ـ حين فسحت الصحفية باب البيت ودخل طارق مبتسما ، هالها أن ابتسامته تلك سرعان ما أمحت في طرفة عين ، حين وقع نظره على الأم ، لاحظت أن عينيهما انغرستا في بعضهما كما ينغرس السهم الحاد،تقهقر الرجل كالخائف خارج المنزل تعلو وجهه صفرة الموت،انخرطت الأم فجأة في نشيج حاد، ظلت الصحفية مشدوهة ...شعرت بأن شيئا ما انهد في أعماقها ،أحست أن شيئا ما لم يعد كما كانت تتخيل وإن لم تستبن ماهو بالضبط...لابد أن بين الوالدة وطارق علاقة ما تجعلهما يفعلان ما فعلاه؟...لكن أي نوع من العلاقة يمكن أن تربط بين مؤلف ذائع الصيت وأمها التي لا تتقن حتى الكتابة والقراءة ؟هل تجمعه وإياها حكاية قديمة ؟..أمطرت أمها بسيل من الأسئلة ، لكن لسانها انعقد وانخرطت مجددا في بكاء هستيري بعد أن ظلت عيناها شاخصتان في الفراغ زهاء الساعة ...لم تتمالك الصحفية نفسها فأقسمت بأنها ستغيب إلى الأبد إن هي لم تعرف الحقيقة ،فلم تجد الأم بدا من مصارحتها بأن طارق أيمن الذي جاب كل بلدان العالم منددا بالعنف ضد المرأة مطالبا بحقوقها المسلوبة ماهو إلا المهدي سامر أبوها الذي وصلها خبر موته يوما بعد أن تزوجها وتركها حاملا منه، ورحل بعيدا ليكمل دراسته متخفيا في سراديب اسمه المستعار لائذا به من اسمه الحقيقي الذي يثقل كاهله بمسؤوليات الزوجية والأبوة... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:43 pm | |
| الخلوي شخصان كانا يستأثران بالاحترام والتبجيل في تلك البلدة التي تتناثر دورها على قدم الجبل أو بين الكتل الصخرية المحتفة به : شيخ القبيلة الرجل الورع التقي، ثم رجل الجبل صاحب الكرامات الذي يدعوه الناس بالخلوي لأنه اعتاد ملازمة الخلاء في الغابة المجاورة للبلدة حيث اتخذ أحد الكهوف الصخرية مأوى له. لا يكاد أحد من أهل القبيلة يعرف الرجل، منهم من يقول إنه ولي من أولياء الله الصالحين، ومنهم من يقول إن الله وهبه قدرة خارقة تخول له علاج كل الأمراض ،ومنهم من يشيد بسلطانه. على الجن والعفاريت التي يسخرها لتحقيق أغراضه، لكن ما يجمعون عليه هو أن الرجل أبدى جدارة في علاج الكثير من الأمراض بدءا من الأمراض البشرية التي تصيب أهل القرية، إلى الأمراض التي قد تحل بالمواشي والدواجن ... الخلوي لا يشترط أجرا بل يرفض تقاضي المال ويقبل ما تجود به أيديهم من طعام أو كسوة، كل حسب استطاعته. يقال إن الخلوي زهد في الدنيا وزينتها لذلك لم يجد كثير من أهل القبيلة حرجا في أن يسمحوا لنسائهم بالذهاب إليه وحدهن أو صحبة أطفالهن سائلات حاجاتهن. وحده الهاشمي لم يستسغ أن ترافق زوجته إحدى جاراتها إليه كما هو معتاد، بل لم يطق أن تذهب إليه تماما لولا أن ضاق ذرعا بنحيبها اليومي الحارق الذي يزيد في تعميق جرحه الذي خلفه في نفسه عدم إنجابهما الأولاد بعد سنين من زواجهما. مما جعله يقرر مرافقة زوجته إلى الخلوي. الهاشمي يضرب به المثل في غيرته على زوجته الجميلة التي لم ترها عين رجل قط بعد زواجه بها، ولولا نصح الجارات لها بضرورة ذهابها إلى الخلوي ودموعها التي تلاشى تحت وابلها حزم الهاشمي لأول مرة في حياته، زيادة على رغبته التي لا ينكرها في إنجاب طفل يخلد ذكره، ويكون سنده يوم عجزه، وسمعة الولي الطيبة .لولا كل ذلك ما وافق أبدا على أن ترى عينا الخلوي زوجته ولو بصحبته هو، بل إنه ليعجب لأمر رجال القبيلة الذين يتركون زوجاتهم يذهبن وحدهن إلى ذلك المكان النائي دون خوف عليهن من أن يصيبهن مكروه. بأمر من الهاشمي أرخت زوجته الأستار على جسدها ولم تظهر سوى عينيها، ذهبا متخفيين في جنح الظلام، قبل أن يهلل الفجر خوفا من أن تحدج عين من عيون رجال البلدة ظل زوجته .كان الهاشمي يسوس الدابة التي امتطتها زوجته بعد أن ملأ خرجيها بما لذ وطاب إلى أن وصلا إلى كهف الخلوي عند انبلاج الصبح. وجده بالخارج جالسا القرفصاء مطأطأ الرأس منشغلا بحبات سبحته البنية الكبيرة، وهو يهمهم بكلمات غامضة. بادر الهاشمي الخلوي بالسلام، ويصوت خافت أخطره بسبب مجيئه. قضى الخلوي بضرورة معاينة الزوجة داخل الكهف وأعطاه صفيحة معدنية صغيرة ترتسم عليها نقوش ضاعت معالمها، وطلب منه أن يأمر زوجته بتخطيها. كان الهاشمي يتصبب عرقا وهو يحادث الخلوي فلأول مرة يتحدث في أمر يخصه وزوجته، إلى رجل غريب. انتفضت فرائصه والخلوي يشجعه على إدخال زوجته للكهف، تردد لحظة وهو يرى الخلوي ينظر لزوجته بلباسها الذي لا يظهر منه سوى عينيها، فلم يكن يخطر بباله أنه سيقف يوما ما وجها لوجه أمام رجل ينظر إلى زوجته بعينيه النفاذتين، ويطلب منه إدخالها راضيا لمكان مظلم هو ذاته لم يسبق أن دخل إليه، ولا يعلم ماذا سيجري فيه ... لكن الله – كما يقول أفراد القبيلة – ربما جعل الفرج على يديه، أمسك الهاشمي بيدي زوجته وأنزلها من على ظهر الدابة ووقف بها على عتبة الكهف الذي ابتلع الخلوي، وخرجت منه هالات من البخور والهمهمات ... تردد الهاشمي في السماح لزوجته بالدخول، أحس بوحشة مريبة أحس بأن جسده ينتفض وهو يترك ذراعها آذنا لها بتخطي عتبة الكهف بعد أن وضع عليها الصفيحة المعدنية ... وقف الزوج عند الباب تنهشه الهواجس، فكر في الدخول لكن خوفه من أن تصيبه لعنة الرجل فيكون دخوله إيذانا بالحرمان المطلق من الولد كما أخبره منعه ... مسح بكلتا يديه عرقا تصبب على جبينه ... أحس بنبضات قلبه كوقع سنابك خيل راكظة ... كان الزمان وقتئذ أشبه ببركة ماء راكدة ... أحس بالسماء ثقيلة تكاد تطبق على أنفاسه ... تملكه شعور حاد بالاختناق فجأة سمع صرخة شقت السكون المخيم على المكان، صرخة زلزلت رجولة الهاشمي المستكينة، صرخة أرست له طريقا لم يكن ليتبين قبلها معالمه لأنه كان يعيش حالة خدر مع كل أهل القبيلة ... كانت الشمس ساطعة ذلك اليوم عندما وجد الخلوي مقتولا في كهفه، جثة متفسخة تتنازعها الديدان، قال أهل القبيلة إن جنيا شريرا ربما قام بالانتقام منه وقتله لأنه نذر نفسه لخدمة أهل البلدة لذلك أقاموا ضريحا يزوره الناس متيمنين ببركته التي لم تنقطع حتى بعد مماته لكن أحدا منهم لم ينتبه لتزامن الحدث مع اختفاء الهاشمي وزوجته اللذين واصلا طريقهما في إثر قرية لا يؤمن أهلها بكرامات المترهبين الغرباء... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:44 pm | |
| الوجه والقناع نزل من على سلم الطائرة مع باقي المسافرين، وأحس أخيرا ببعض الارتياح كانت مهمته ضمن مجموعة الأطباء الذين تطوعوا في منظمة أطباء بلا حدود صعبة للغاية، كان يصطبح كل يوم في ذلك البلد الإفريقي بوجوه خمد بريقها. أمراض فتكت بالكثير من الأطفال والشبان والعجائز وأبقت على ثلة تكالب عليها الفقر والوباء ... لكنه الآن يطأ أرض وطنه بعد كل تلك الغيبة الطويلة عن رفيقة عمره ماتيلدا التي أعلمته لأول مرة في حياتهما أنها لن تكون عند استقباله في المطار. لذلك ظل طوال الطريق يفكر فيما أعدته له تلك المرأة الطيبة، لطالما حدثته عن مفاجآت تهيئها له كعادتها بمناسبة أعياد الميلاد أو عيد زواجهما لكن لهجتها قبل رحيله كانت تنبئ بوجود مفاجأة مختلفة هذه المرة ... هو أيضا لاحظ أنها قبل رحيله بأشهر عديدة بدأت تحرص على المال بطريقة ما عهدها فيها، من يراها وهي تحاسب عن مشترياتها يحسب أنها بخيلة، وهو الذي لم يعرف فيها غير السخاء والكرم ... السنين الثلاثين التي قضياها معا كانت كفيلة بأن تجعله يفهمها جيدا، بأن يعرف فيم تفكر قبل أن تعبر، لكن مع ذلك يصعب عليه هذه المرة تخمين المفاجأة التي تنتظره بالمنزل، بالرغم من أنه يعلم أن سحبها لمبلغ كبير من حسابهما المشترك في البنك يعني أن المفاجأة مكلفة جدا، من يدري؟ فلربما فكرت في أن تبتاع له سيارة جديدة بدل سيارته المهترئة التي يوازي عمرها عمر زواجهما معا ... فكر أنه سيكون سعيدا بها، ولكنه مع ذلك لن يتخلى عن سيارته القديمة التي تذكره. بأحلى سنين العمر، قضاها مع ماتيلدا زوجته، ماتيلدا التي اشتاق إليها بعد أن ابتلعته أدغال إفريقيا وأمراضها مدة طويلة لكنه ههنا ولم يبق على لقائه بها سوى دقائق معدودة. لم يستطع أن يتخلص من تخميناته تلك. فكر في أنها ربما اشترت شقة جديدة، لكنه مع ذلك لن يحس بالسعادة إلا في شقته التي عاش فيها زهرة عمره صحبة زوجته وأولاده الأربعة الذين مشوا أول خطوة فيها ... طرق الباب ... لم يشأ أن يفتحه بالمفتاح كما اشترطت عليه ماتيلدا، كان يتحرق شوقا لرؤيتها، افتقدها كثيرا في رحلته تلك، سمع صوتها ينبعث من الداخل تأذن له بالدخول. كان الباب غير مرتج، دفعه، ليجد امرأة بفستان الزفاف جالسة على الأريكة المقابلة للمدخل ... اندهش وهو يسمع صوت زوجته، نعم إنه صوت ماتيلدا وهي تدعوه للتقدم، لكن الوجه ليس وجهها، تمعن فيها. ابتسم ابتسامة حائرة، فيما راحت تراقصه مقهقهة، بعدما استلقت على الأريكة ثانية مستعرضة فستانها الزاهي ... بادرت بالكلام قائلة في اعتداد : - ما رأيك في جمالي الذي استعدته، في شبابي الذي استرجعته ببعض المال؟ لم يكن الأمر صعبا يا عزيزي، صقل الطبيب جبيني ومحا التجاعيد حول عيني، ورفع وجنتي وجفني المترهلتين وقمت أنا بالباقي، صبغات الشعر في الصيدليات أعادت لشعري رونقه، والفستان ... انظر كيف أصبحت، ما رأيك بالمفاجأة ؟ ... لم يستطع الكلام وهي تحدثه عن فرحتها العارمة باستعادتها الوجه الذي رآها به يوم الزفاف … هو يحبها كثيرا ولا يريد أن يجرح مشاعرها، لم يشأ أن يعكر صفو أول ليلة يقضيانها معا بعد رحلته الطويلة، لكنه يعلم أنه لم يرض غرورها الأنثوي كما كانت تتوقع، لأنه اكتفى بإبداء إعجاب مفتعل … ظن أنها فهمته … لكنها لم تول عناية لشعوره المريب … كانت ليلة من نوع خاص، ماتيلدا كانت تريدها ليلة من نوع خاص، لذلك حضرت عشاء فاخرا على ضوء الشموع، وفتحت المسجل الذي انبعثت منه موسيقى هادئة. كانت ماتيلدا تريد أن تراقص زوجها الذي استغرب من طلبها، فهي تعلم أنه لا يحب الرقص ولا يتقنه … لكنه مع ذلك حاول تلبية رغبتها، فقد كان لا يريد المس بخصوصية تلك الليلة … لم تكن رقصته في مستوى طموح ماتيلدا، لأنه سرعان ما تحجج برغبته في النوم لأن الرحلة كانت شاقة … استغرب كيف أنها تجاهلت مشاعره وهي التي لم يعهد فيها ذلك … أحس أنها ليست زوجته خصوصا بعد أن رآها في غرفة النوم، كان الضوء كافيا هذه المرة ليرى وجهها الجديد … إحساس غريب انتابه .. أحس أنه في غرفة نوم ماتيلدا مع امرأة أخرى، نعم إنها امرأة أخرى غريبة لا يعرفها. ماتيلدا التي عاش إلى جانبها ثلاثين سنة، كانت يوم الزفاف من أحلى النساء، للحظة فكر أن المرأة التي إلى جانبه تخدعه بصوتها وفستانها، نعم فهذا الوجه صورة ممسوخة لوجه ماتيلدا القديم وجهها يوم الزفاف لم يكن كهذا، ولا حتى هذا الوجه يشبه وجه ماتيلدا التي تركها قبل أن يسافر إلى إفريقيا، أية يد عبثت بملامح زوجته الطيبة التي شهد بروز كل تلك التجاعيد على وجهها بعشق. عشق للمرأة التي ضحت بكل صحتها وشبابها من أجل إسعاده وإسعاد أولاده الأربعة، تجاعيدها التي تزامن بروزها مع بروز تجاعيد وجهه لكنه اعتبرها وما زال يعتبرها جزءا منه، هي نفسها التي تجعل الآخرين يفهمون سر وصوله لما وصل إليه من شهرة وصيت، هي نفسها التي تشهد على عزمه الذي لا ينضب وحبه للإنسان حتى في أرذل أيام العمر … أحس بغربة شديدة في غرفة نومه، أحس أنه يخون ماتيلدا مع هذه المرأة … أحس بأن صورتها اختلطت، تمزقت، أصبحت مشوهة … هي لم تفهم هذا، المرأة التي إلى جانبه لم تفهم هذا، ماتيلدا كانت تفهمه ! .. إذن فمن هذه المرأة؟ من ؟ شعر بأن بوسعه أن يزيل هذا القناع الذي يراه ليجد وراءه ماتيلدا زوجته، تحسس القناع، وجده مثبتا بإحكام على وجهها، أمسكت بيده، أحس أنها امرأة أخرى تريد مراودته ... نعم هي ليست ماتيلدا .. هذا ما حدثته به نفسه ... عندها، خرج مذعورا من غرفة النوم مندفعا نحو الباب الخارجي وهو يحمد الله. لم يعلم بعدها لماذا كان يردد كلمة الحمد، هل لأنه تخلص من براثن المرأة التي كانت تريده أن يخون زوجته، أم لأنه رفض يوما أن يعمل في جراحة التجميل حتى لا يصنع الأقنعة لأناس قد يتوه عنهم أقرب الأقرباء منهم ... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:46 pm | |
| " الزاوية " جلس عبد الله فوق التلة التي اعتلاها وحيدا، رغبة منه في أن يفكر في وضعه الشاذ بين أهل القبيلة، فكل واحد منهم حدد مساره وانحاز لجهة من الجهتين إلا هو ... نصف القبيلة انحاز لعبد الرحمن ونصفها الآخر مع شيخ القبيلة، وهو بقي ممزقا بينهما، لا يعرف هل يجدد ولاءه للشيخ أم يجري وراء الشاب ... تضاربت الأفكار في رأسه، وحاول أن يتخذ قرارا لكنه لم يستطع .. لذلك اختلى بنفسه عله يصل لنتيجة ... كان المدشر يعيش في سلام قبل أن يحل به عبد الرحمن ذات يوم..، عبد الرحمن الذي غاب عن المدشر سنوات عديدة قضاها في الدرس والتحصيل ... عبد الله كسائر أهل المدشر لا يعلم لماذا لم تقم أم عبد الرحمن الأرملة بإيداع ابنها بالجامع حتى يتعلم على يدي الشيخ ما تعلمه كل أهل القبيلة. ولم يكن يفهم أيضا سر استياء الشيخ من قدوم الشاب المتعلم ... إلى أن أتى ذلك الخميس، عندما بدأ كل أفراد القبيلة رجالا ونساء يفدون على "الزاوية" تلك عادتهم ورثوها عن أسلافهم، حتى باتوا يعتبرونها طقسا مفروضا، فنيل البركة من الشيخ كل يوم خميس يدفع البلاء ويطيل العمر ويزيد الرزق ... كما يقول شيخ الزاوية نفسه ... عبد الله لن ينسى ما حدث تلك الليلة ... كانت الشمس قد قاربت على المغيب عندما بدأ صوت الطبول يعلوا إيذانا ببداية "الحضرة". ألف شيخ القبيلة والذي هو نفسه شيخ الزاوية مع رجال القبيلة حلقة كبيرة مغلقة وهم وقوف يتلون الأذكار التي لقنها لهم في صباهم ... بدأت أصواتهم تعلوا، ودقات الطبول تعلو عندما قفز الشيخ فجأة داخل الحلقة ليقوم بحركاته المعتادة، ويعود لموضعه آذنا لأهل القبيلة المتحلقين بالقيام بنفس الحركات واحدا واحدا، وعلى كل من أتم حركاته على إيقاع الطبول والأذكار أن يعود لموضعه في الحلقة بعد أن يضع في يد الشيخ ما تيسر من المال، كل حسب مقدرته، أما من لا يتوفر له مال فبإمكانه أن يضع بين يدي الشيخ أي شيء ذا قيمة ... يومها نزع عبد الله جلبابه التي كانت يرتديها ووضعها بين يدي الشيخ ... يقال قديما كان الأجداد يهبون أراضيهم للشيخ أثناء كل حضرة، لذلك أصبح الشيخ الجديد بعد أو ورثها يملك نصف أملاك القبيلة أو ربما أكثر ... يقول الشيخ عن الأجداد أنهم كانوا أكثر إيمانا من الأحفاد ... وها هو الآن يكتفي كل خميس ببعض الدراهم يلقيها أهل القبيلة بين يديه ... زوجته أيضا تفعل ما يفعل زوجها في جناح الزاوية المخصص للنساء ... عبد الله يتذكر أن كل شيء كان على ما يرام إلى أن اندس وجه غريب بينهم، وانزوى بعيدا وأخذ يتأمل ... لم يكن الوجه سوى وجه عبد الرحمن العائد من المدينة بعد غياب طويل ... تراشق شيخ الزاوية وعبد الرحمن بالنظرات، كانت نظرات الأول أكثر حدة، عبد الله لاحظ ذلك، هو يذكر تلك اللحظة بتفاصيلها الدقيقة، عندما طلب منهم شيخ القبيلة كالعادة أن يأتوه بآنية ماء وبدا يهمهم عليها ببعض الكلمات، وطلب من أطفال القبيلة أن يشربوا من الماء المبارك، بعد أن يضعوا نقودا معدنية داخل الآنية ... بحركة مندفعة انبعث عبد الرحمن مريقا الماء صارخا، محذرا من خطورة الماء الذي وضعت فيه النقود التي قد تكون حاملة لأوساخ قد تسبب تسمما للأطفال ... كان انكفاء الماء إيذانا ببداية الشقاق بين شيخ الزاوية وأوليائه والشاب عبد الرحمن وأتباعه ... عبد الرحمن الذي انتهز الفرصة وبدأ يعظ الناس ويحدثهم عن جهلهم الذي سببه الشيخ الذي زرع البدع في الدين وأقنعهم بها منذ الطفولة بتعليمهم أذكار مراسيم الحضرة وتلقينهم أهمية بركاته وبركات أجداده في مسجد الله الذي كان عليهم أن يقيموا فيه الصلاة ويذكروا فيه اسمه تعالى دون غيره، لكنهم ابتعدوا عنه واتجهوا للزاوية يؤدون فيها كل صلواتهم، وهي مدفن لأجداد الشيخ لا تجوز الصلاة فيها ... كانت كلماته وهو يحذر شيخ الزاوية من عقاب الله لأنه يستغل سذاجتهم وجهلهم بالدين ليسلب أموالهم طلقات رصاص أحس الجميع بوقعها على الشيخ الذي طرد عبد الرحمن من الزاوية ... اتجه عبد الرحمن للمسجد حيث بدأ يحض من يتوافد عليه، وانقطع شيخ الزاوية عن الذهاب إلى المسجد ولزم الزاوية التي أصبحت مكانا جديدا لتعليم الأطفال وإنذار أهل القبيلة من مغبة الذهاب إلى المسجد ... عبد الله سمع من بعض من اتبع عبد الرحمن أنه يتلو كل يوم جمعة خطبة جديدة تجعل النور يتغلغل لأعماقهم ويفهمون أمور دينهم ودنياهم بدون مقابل ... أغلبهم ضجر من خطبة الشيخ التي يكررها كل يوم جمعة طوال سنوات مشيخته، عبد الله نفسه يحفظها ولم يفهم يوما شيئا منها ... عبد الرحمن يؤم الناس ويؤذن فيهم ويستشيرونه في أمور دينهم ويحاول جمع الأطفال لتحفيظهم القرآن الكريم بالمسجد بدون مقابل ... أسئلة عديدة تجعل عبد الله يحتار في أمره .. فهل يمكن لشاب أن يكون رأيه أصوب من شيخ القبيلة ؟ .. وهل كان كل الأجداد والآباء على خطأ؟ وكيف ستكون القبيلة بدون شيخ الزاوية وبدون طبول ... لكنه عاد وتذكر أنه أعطى آخر جلباب يملكه للشيخ الذي يعلم أنه لا يملك غيرها، ولم يرأف لحاله، ويرد له الجلباب والشتاء على الأبواب .. صعب على عبد الله قص جذوره ... فهو لا يستطيع أن ينكر تلك النشوة والراحة التي يحس بها عقب كل حضرة : .. بل أثناء أدائه لتلك الحركات يحس أنه يؤديها إلى جانب والده المرحوم، شيخ الزاوية يقول إن أرواح الآباء والأجداد تكون حاضرة، لذلك سميت بالحضرة ... كان عبد الله في حيرة من أمره وهو يستعرض كل تلك الأحداث وتتقاذفه كل تلك الأفكار. فجأة انقطع حبل تفكيره بعد أن سمع صوت الآذان، كان صوت مؤذنين، مؤذن على مئذنة المسجد، ومؤذن على سطح الزاوية. أحس بتمزق داخله ... احتار في أي المؤذنين ينظر وإلى أيهما يتجه عندما سمع صوت رصاص ورأى عبد الرحمن يسقط على مئذنة المسجد متأذيا ... من على التلة رأى عبد الله ابن شيخ الزاوية قرب سور ببندقيته يحاول الاختفاء عن الأنظار ... انطلق مهرولا باتجاه الضحية، وسرعان ما لاحظ حشود القبيلة تلتف حوله ... آنذاك لم يعد الجميع بحاجة للاختيار ... كانت طلقة دامية، أودت عبد الرحمن شهيدا وأودت في الآن ذاته شيخ الزاوية قتيلا في قلوب كل أهل القبيلة الذين علموا أن الداعي للحق يبذل دمه في سبيل الحق. | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:47 pm | |
| حبة الكراميل أنا عندما دخلت الحي يومها أحسست أنه معتم بدونها. وأتصور أن كل أهل الحي أحسوا نفس الإحساس، فهي ابنة كل رجال ونساء الحي، وهي أخت كل الأطفال. بابتسامتها الصافية كانت قادرة على أن تحيلك طفلا مهما بلغت من العمر ... كانت كعصفور مغرد تشقشق طيلة النهار ... أتذكر وجهها المشرق وقد تورد من شدة القفز على الحبل، كانت تلك لعبتها المفضلة ... أتذكرها وهي تحادثني بكلماتها الصغيرة التي كانت عسلا مصفى، تسألني عن حبة الكراميل التي كنت أحرص على تقديمها لها كل يوم بحب الأب الذي أعرف أنها لم تنعم بعطفه، فقد أتت بها أمها إلى الحي حيث أقامتا معا، وهي طفلة رضيعة، تربت بين أحضان الجارات اللائي سهرن على رعايتها وقت غياب أمها في العمل ... ألفها الجميع حتى أضحت هي وحبلها وكلماتها الصغيرة جزءا لا يتجزأ من الحي. الحي الذي يبدو اليوم صامتا يشكو وحدته لأنها تركته، وهاهي حبة الكراميل تئن في جيبي مشتاقة لأن تمسكها زينب بيديها الصغيرتين ... توالت الأيام والحي وحيد وأنا لا أعرف ماذا أفعل بحبة الكراميل ... بعد أسبوع وضعتها في مكان على المنضدة منتظرا مجيء زينب ... لكن زينب لم تأت ... عصفورة الحي لم تشقشق بعدها ... سألت عنها قالوا : زينب تبتلعها الحافلة فجرا حين يكون الناس نيام، وتلفظها ليلا على باب الحي مع صبيات في عمر الزهور مثلها ... قيل لي إنها تقضي يومها في مشغل كبير تنسج الزرابي ... وقيل لي إنها قد فارقت ابتسامتها الطفولية، وأن أصابعها الصغيرة تعود منهكة متورمة ... أنا ما صدقت أحاديثهم، واحتفظت بحبة الكراميل لوقت عودة زينب، فكرت أنها ربما سافرت أولابد أنها دخلت مدرسة داخلية ... أو شيئا من هذا القبيل، لكنني كنت على يقين أن زينب ستعود ... وفي يوم سمعت ضجة بالحي لم أتبين منها سوى جملة واحدة : - زينب عادت، عادت زينب.دقات غريبة تتالت وتوزعت على أقطار جسدي، بحركة خفيفة التقطت حبة الكراميل وخرجت بسرعة للحي لأبحث عنها، لأعاتبها على غيابها وأسألها عن السبب ... لكنني ما وجدت زينب، بل وجدت فتاة أخرى ،نعم فتاة فيها بعض من ملامح زينب لكنها ليست هي، للحظة ظننت أن يدا شريرة عبثت بملامحها، عاثت فسادا في وجهها الملائكي بل في كل جسدها، يدا لطخت وجنتا زينب بمسحوق أحمر وشوهت شفتيها بأحمر الشفاه القاني، يدا وضعت في فم الفتاة قطعة لبان تلوكها بشراهة. الكل تحلق حولها مهللا لحضورها ... الكل صدق أنها زينب إلا أنا، أنا الوحيد الذي شككت في هويتها ... فنظرة واحدة للباسها المبهرج ولكعب حذائها العالي كافية لأن تقنعك بأنها ليست الطفلة التي كانت تنط على الحبل بكل ثقة وبراءة ... نعم، عينا الفتاة تشبه عينا زينب العسلية لكن زينب أبدا ما كانت ترقص أجفانها كدمية آلية ... وقفت مشدوها والفتاة تنظر إلي وتبتسم ابتسامة مصطنعة وزعتها على كل الموجودين بالتساوي وهي تمسك بيمينها عجوزا قيل إنه خطيبها، وصاحب المشغل الذي تعمل فيه ... ألقيت على الفتاة نظرة أخيرة وعدت لمنزلي ... بحثت عن حبة الكراميل، فلم أجدها، أدركت أنها سرقت مني وسط الزحام حين سرق من زينب شيء ما فلم تعد زينب. | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:48 pm | |
| الرحيل كانت السماء يومها حزينة، تلبدت السحب عاليا بلون آلامها ،بجسد منهك هدته السنون ألقت بنفسها على درجة المسجد، الدرجة نفسها التي كانت تمر بمحاذاتها من حين لآخر، لتنظر بأسى لامرأة كانت تقبع هناك مادة يدها للمارة عسى إحدى الأيدي تمتد لها بقطعة نقدية ... أحست بقشعريرة تشعبت في سائر جسدها وهي ترى نفسها في نفس المكان، وستقوم بنفس ما كانت تقوم به تلك المرأة منذ اليوم ... طأطأت رأسها حتى تتحاشى نظرات الداخلين والخارجين وبدأت تستعد لتحرك يدها اليمنى في اتجاههم، وجدتها ثقيلة جدا ... حاولت رفعها من على حافة الدرج لم تستطع ... تناولتها بيدها اليسرى ووضعتها عنوة على ركبتها ... حاولت بسط أصابع يدها لم تستطع ...بدأت تحدق فيها ... في ذراعها التي أمسكت يوما بطفل خرج من أحشائها يتيما، ... حدقت في أصابعها، هي ذاتها الأصابع التي كانت تمشط بها شعره الفاحم الذي كانت تنساب خصلاته المتمردة مع الماء في عنت، خصلات شعره تلك التي عصف المقص بها يوم كبر وبدت معالم الرجولة في الظهور عليه، يومها كان فرحا لكونه حلق شعره على الطريقة الأمريكية ... من يومها تغير كل شيء فيه ... لباسه وصوته وطريقة كلامه ولهجته التي أضحى ميالا فيها للسخرية من كل شيء حتى منها ... لطالما تساءلت عن السبب الذي يجعله يستاء من كل تفاصيل حياته ... لم تكن تفهم سبب رغبته بل هوسه بحياة مختلفة ينعم فيها بالمال وبزوجة زرقاء العينين في الضفة الأخرى ... هي لا تعرف أولئك الذين أراد الرحيل إليهم، كل ما تعرفه عنهم هو ما كان المرحوم زوجها يقوله، كان يقول إنهم يتحدثون لغة غير لغتنا، مدنهم باردة لا مآذن فيها ولا صلاة...تذكرت يوم أتاها وحيدها، وقد عزم على الرحيل إليهم. ما كانت السواقي التي انسابت من عينيها، ولا رجفة يديها، ولا احتباس كلماتها لتقنعه بالبقاء معها، ما كانت تجاعيد وجهها ولا وحدتها وغربتها، ولا عيناها التي لم تنظر يوما لرجل بعد والده سواء لتصده عن رغبته تلك، الرغبة التي ألقت به في قارب من قوارب الموت، ألقى بنفسه فيه ورحل، ... كانت عيناه هناك في الضفة الأخرى، وجسمه وأحلامه الكبيرة في القارب الذي رزح بكل تلك الأثقال قارب صغير ما كان ليحمل أجساما كثيرة وأحلاما كبيرة، هوى للقعر تاركا فلذة كبدها على الموجه جثة هامدة ...أثقلت الذكرى روحها، وانسابت دمعات ساخنة على وجنتيها أحست بقشعريرة جديدة احتوت جسدها. حاولت بسط يدها للناس لم تستطع، حاولت النهوض والعودة من حيث أتت، لم تستطع تناهى لمسمعها صوت المؤذن يدعو للصلاة ... أحسست بطمأنينة وهي تحتضر ... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:49 pm | |
| المحطة ما قبل النهائية ابتلعته السماء بعد أن حلقت الطائرة بعيدا في اتجاه الوطن لم يصدق أنه عاد بعد كل تلك السنين، سنين الغربة والعذاب. تذكر أسئلة الصحفيين في المطار. كانت متشابهة ذلك اليوم على خلاف المعتاد. كلهم يستغربون عزمه المفاجئ على العودة إلى وطنه بعد أن حقق كل النجاح في أمريكا وطارت شهرته في سماء الدنيا."مستر أحمد رمزي" كما يدعونه هناك حصل على أعلى الشهادات في علم البحار. وهو إلى وقت قريب كان يعمل لحساب اتحاد شركات الملاحة البحرية الأمريكية بصفته خبيرا معتمدا. لم يسبق لأجنبي أن احتل هذا المنصب قبله. تذكر الحملة الإعلامية التي أثارها نبأ عزم الشركة المذكورة على الاستفادة من خدماته. كل الجهات انخرطت في السجال ما بين مجاهر بالاعتراض ومظهر تحفظه. كان منهم خبراء الاقتصاد الأمريكي والمحللون السياسيون والعنصريون وأعضاء من مجلس الشيوخ ونجوم السينما ... لكن السجال حسم أخيرا بقرار اتحاد الشركات تنصيبه لعدم وجود مختص أمريكي في مستوى كفاءته.كان من حين لحين يسترق نظرات إلى زوجته "أحلام" وهي تحادث ابنيه كأنما ليتأمل في ملامحها صدى هذه العودة. حن للحي القديم، لشجرة الليمون التي تنشر شذاها كل صباح عند مدخل البيت. حن لأصوات إخوته التي مسختها أجهزة الهاتف، حن لأصوات المآذن، لعبق الحياة المنثال على دروب المدينة القديمة، لصلاة العيد في المصلى، للجلباب الأبيض الذي لم يلبسه منذ زمن بعيد ... أحلام أيضا كان يسكنها حلم العودة. لطالما ضاقت بمصاعب تربية الأبناء تربية إسلامية وسط مجتمع أمريكي ليس يعرف حدودا للانطلاق العابث. هي أيضا كانت تصيخ السمع لهاتف الوطن، لصوت المعلم الرحب الآتي من الطفولة وهو يلقن التلاميذ أن حب الوطن من الإيمان بيد أنها كانت تحس بمزيج من القلق والتوجس. كانت تشعر أن الأمور ربما لن تكون على خير ما يرام. لكنها عدت تلك الأحاسيس من فعل الزمن ومن بقايا طبعها الذي لم يعتد التنقل كثيرا كما كانت تقول لها والدتها وهي صغيرة.أحس بشعور غريب والطيار ينبئ بوصول الطائرة. كان يعانق أرض الوطن العزيز الذي عاد إليه محملا بمشاريعه وأفكاره. التقفته العائلة في المطار أحضانا دافئة وعيونا تدمع. حين توقفت به السيارة في الشارع المجاور للحي كان الرذاذ يسقط على الأرض تملكته رغبة في إطالة الطريق الموصل للمنزل. استطاب رائحة التراب التي لم يشمها منذ أربع عشرة سنة قضاها في أمريكا. أحس بشيء ما ينمو بداخله.استوقف نظره شاب يخرج بعض الشتائل من كيس بلاستيكي أسود ويزرعها في الحديقة، أحس بالارتياح وهو يرى ذلك الشخص ويديه تحركان التربة السوداء الناعمة. حين تخطى عتبة المنزل انفسحت ألف شرفة في ذاكرته. صارت نظراته تتحسس الرخام المورق على الجدران. اتسعت حدقاته وكأنها لتستوعب بهجة الألوان المتدفقة من تشكيلات الفسيفساء. كل جوارحه كانت تتمرن على عنفوان الحياة الجديدة الذي هز كيانه فجأة كان يستكشف أرجاء المنزل غرفة غرفة. كان ينتشي وهو يرى خطوات ابنه الآن تختلط بخطواته أيام كان في سنه. إنه مثله تماما يضغط بقدميه على الأرض وهو يسير. أسبوع كامل قضاه وهو يلملم ذكرياته المتناثرة هنا وهناك ..قال لزوجته وهو يقرر العودة : "ما أقسى أن يكون الإنسان ما يريد إذا كان ذلك في مجتمع غير مجتمعه ! "لذلك بادر بعد مرور أسبوعين من عودته إلى تقديم نفسه رسميا للمسؤولين من أجل الاستفادة من خبراته. رقى أدراج وزارة الصيد والملاحة البحرية باتجاه مصلحة الموظفين الكائنة بالطابق الثاني. طلبت منه السكرتيرة العودة بعد شهر دون أن تطلع على ملفه، مكتفية بالاستماع إليه وبمراجعة بعض الوظائف المتعلقة بهويته وبشهادته. أحس بالإهانة. لكنه عزم على إكمال المشوار، كل شيء يتطلب التضحية ولا ينبغي أن يبخل بذلك على وطنه. وعادات أمريكا ليست هي نفسها عادات بلاده على كل حال .. غاب شهرا كما طلبوا وعاد ليجدهم قد هيأوا له منصبا هاما لكنه لا يتماشى مع تخصصه قال له رئيس قسم الموظفين إن تخصصه بالغ الأهمية لكن الوزارة تحتاج له مديرا عاما لقسم الوثائق والرخص. قال له إن الحكومة تنوي استحداث مجلس لحماية البيئة البحرية للاستفادة من اختصاصه لاسيما وأن التلوث يجتاح كل سواحل البلاد لكن المشروع غير قابل للتحقيق في المستقبل المنظور وحين سيحدث ذلك المجلس ستسند إليه رئاسته، وفي انتظار ذلك فهو مدعو لممارسة مهامه مديرا عاما لقسم الوثائق والرخص بالوزارة.دون أن يبدو أنه شعر بحاجة إلى استطلاع رأي أحمد رمزي في الموضوع، مضى رئيس قسم الموظفين في استعراض إجراءات العمل الجديد وسلمه الوظيفي والأجر المغري الذي سيتقاضاه ،ثم سلمه عقدة العمل الجاهزة من أجل أن يمضي عليها، وهو ينبئه بصوت خافت أنه سيضطر للتغيب بحيث سيكون ضمن وفد وزاري مبعوث إلى الخارج. وإذا ما عرضت له حاجة فسيكون جاهزا للاستماع إليه بعد شهر. وجد أحمد رمزي نفسه يوقع على وثيقة العمل. وفي غمرة الشرود انتبه إلى أن القلم كان ينزلق من بين يديه على الورقة وبدا له التوقيع غير متقن. وذلك ما لم يعهده من قبل، بل لطالما نبهه زملاءه من الأمريكيين إلى براعة إمضاءاته وحدة خطه التي توحي بالصرامة والدقة.في مكتبه الفخم ناولته السكرتيرة مجموعة من الملفات. كان منهمكا في دراستها حين دخل رئيس قسم الموظفين، استغرب لمجيئه، فالمفروض أن يكون الرجل منشغلا بتهييء زيارة العمل التي سيقوم بها ضمن وفد الوزارة إلى الخارج. لابد أن شيئا أجل شأنا منها هو ما دفعه إلى المجيء اليوم. رد أحمد رمزي على ابتسامة المسؤول العريضة بابتسامة لا تخفي مشاعر الاندهاش التي تملكه لكن لم يفته أن ينادي على كوبي قهوة ، جلسا متقابلين على "الفوتوي" فضول رمزي كان عارما ، لكن رئيس قسم الموظفين انخرط في حديث ودي طويل . حدثه عن ابنة أخيه التي تزوجت الصيف الماضي من رجل أعمال ألماني ،حدثه عن ابن أخته الشاب البوهيمي الذي ضاق أبوه بمغادرته وقرر أن يضع حدا لها بدفعه إلى إنشاء شركة للصيد البحري على الشواطئ الجنوبية وهو الآن بحاجة على المساعدة . ظل المسؤول يتحدث وحين أحس بأن أحمد رمزي لم يفهم شيئا قال له بوضوح:ـ لذلك جئت أطلب منك " مسيو" رمزي أن تدرج ابن أخي سعيد في سجلات صغار الصيادين حتى لا تثقله الضرائب وهو مازال في البداية وأنت تعرف طيش الشباب .الواقع أن والده التي ستتاح له الفرصة لأعرفك عليه كان يريد توسيع شركته ولكنه رأى من الأنسب أن يشعر ابنه ببعض الاستقلالية وأن يتهرب أيضا من الضرائب الإضافية التي تفرض على الشركات الكبرى ، ما قولك يا سيد رمزي ؟ إن هذه الأمور جار بها العمل كما ترى وكذا في كل إدارات البلاد ، وهي فوق ذلك كله مسألة إنسانية في هذه الحالة . سلمه بخفة ملف المشروع و ابتسامته العريضة لا تفارقه قائلا: ـ هلا تفضلت بالتوقيع ؟امتقع لون رمزي وأجابه ببرودة بعد أن أطرق قليلا:ـ ما سأوقعه هو طلب استقالتي ،وستصلك اليوم في مكتبك طبقا للسلم الإداري أما الآن فيمكنك الانصراف سيدي .خرج من مبنى الوزارة كانت تستبد برمزي رغبة في أن يطوف المدينة كلها ماشيا ، جال في دروب كثيرة قبل أن يصيبه الإعياء ويوقفه صوت المؤذن،صلى صلاة العصر وعاد إلى المنزل منهمك القوى ، وما كاد يومان ينقضيان حتى كان قد حزم كل أمتعته قاصدا العودة إلى أمريكا. أحرجته إحدى الصحفيات التي تعمل لحساب " مجلة البحر الأمريكية " حين عبرت عن استغرابها من عودته السريعة إلى أمريكا ، حاملا كل تلك الحقائب محتفا بطفليه وزوجته وهو الذي صرح بأنه اختار العمل في وطنه أجابها بمرارة:ـ طريق الوطن مازال طويلا ،وأنا في المحطة ما قبل النهاية ... ولربما عملت يوما في وطني ... هنا ارتفقت أحلام زوجته كتفه وقالت وهي تهمس في أذنه :ـ ما أقسى يا مستر رمزي أن يكون الإنسان ما لا يحب وهو ملك المجتمع الذي يحب .ا سمي أحمد رمزي .. لا تنسي هذا من فضلك ... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:50 pm | |
| ذكرى استوقفتها في الممر المؤدي لمكتبتها وأسرت لها برغبة أخيها في الزواج بها،بعد أن رآها صحبته،وحدثته عن أخلاقها وتدينها : بدت بديعة سعيدة وهي تسمع الخبر إلى أن سمعت جملة غيرت ملامحها وأطفأت وهجا كان متألقا في عينيها منذ لحظة : استغربت أخت الخاطب وهي تكرر قائلة :ـ متى نقابل الوالد يا بديعة؟تابعت بديعة مشيها للمكتب مهرولة جلست على كرسيها وبقايا صور الوالد تجتاح مخيلتها .كان عاريا في غرفتها هي وأختها ممسكا بضفدع رمى به عليهما وهو يستلذ برؤيتهما تصرخان ،ووالدتها تهرع لتشيح بوجهيهما عن ذلك المنظر المريع.. تذكرت صور أصدقائه الذين أحضرهم ذات يوم للمنزل .كانت في حضن أمها تنتفض وهي تسمع أصوات عربدتهم والوالد يطلب من زوجته أن تحضر لتقدم لهم الشراب ... تذكرت عودته بعد سنين طالبا حق الزوجية والأبوة كان يتحدث إليها ورائحة الخمر المقرفة تنبعث من فمه الذي تحطمت معظم أسنانه ...اكتفى ببعض المال ورحل. فجاءتها أخت الخاطب مستفسرة عن سبب انسحابها ..كانت الدموع قد بعثت برسالة للفتاة فأردفت قائلة :ـ آسفة لم أكن أعلم أن الوالد متوفى .ردت بديعة بعد أن تنفست الصعداء : ـ لا بأس يمكنكم مقابلة الوالدة ... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:51 pm | |
| حفل الدم على غير عادته بدا مبتسما وهو الرجل الذي طالما شوهد عابسا طوال السنين الأخيرة خصوصا بعدما رحل ابنه وألمت به أعراض الشيخوخة، كان يقف أمام متجر البقالة بجلبابه الأبيض وطربوشه الأحمر،الذي لم يتعود أن يلبسها إلا في المواسم والأعياد. بصوت مرتفع وكأنه يريد أن يسمع كل أهل الحي ما سيقوله ،أخبر البقال أن ابنه رشيد الذي رحل منذ سبع سنين سيعود الليلة،وأنه كان يود أن يلقاه في المطار لولا ظروفه الصحية...كانت ليلة،تحاكى عنها كل أهل الحي الذين تحلقوا حول رشيد الذي هاجر إلى إسبانيا منذ مدة طويلة،وكان أكثر حظا من كل شبان الحي الذين هم في مثل سنه ،بالرغم من أنه لم يتم حتى دراسته الابتدائية،فهو الآن بملابسه الأنيقة التي تفوح منها رائحة زكية،ووجهه المشرق وابتسامته المعهودة يسلم على كل من كان في استقباله .هم لا يعرفون ماذا كان يعمل في المهجر، ولكن آثار النعمة بادية عليه وهذا هو المهم...انفض الجمع ،وخرج كل المهنئين برجوع الابن الغائب وبقيت الأسرة الصغيرة: رشيد ووالديه وإخوته أمسك رشيد بيد أبيه وقبلها بخشوع .إنها يد الرجل الذي أفنى عمره وصحته من أجله ومن أجل إخوته، الرجل الذي طالما حمل أكياس الحبوب وصناديق الخضر على كتفيه كي يوفر لهم جميعا لقمة العيش، وهو الآن أتى ليعوضهم عن السنين العجفاء التي مروا بها. حتى في سنوات اغترابه لم يكن في استطاعته مساعدتهم بالشكل المطلوب لأن إسبانيا لم تكن جنة كما تصور يوما، وكان من الضروري أن تمر سبع سنوات حتى يستطيع تنظيم حياته وضمان عمل قار هناك .لقد قرر أولا أن يهتم بصحة الوالد الذي تبدو متدهورة. التفت إليه هامسا وكأنه يستعطفه ليقول الحقيقة وألا يقول كالعادة إنه بخير:ـ كيف حال صحتك يا والدي ؟ـ فهم الوالد قصد ولده وعزم على مصارحته بحقيقة حاله قائلا بسحنة تنم عن جدية واضحة:ـ الحقيقة يا ولدي أن صحتي تتدهور يوما بعد يوم .ـ إذن سأعرضك على طبيب غدا إن شاء الله. ـ لا تتعب نفسك يا ولدي،علاجي لن يكون على يد الطبيب.ـ على يد من إذن؟ـ على يد (كناوة )،هل تذكر (كناوة) ، الفرقة الموسيقية التي تحضر الجن والتي كنت أستدعيها كل سنة عندما كنت بيننا ؟ إن إقامة حفل في ليلة واحدة من شأنه أن يجعل مني الأب القوي الذي عرفته،إن أحلاما تطاردني من حين لآخر أرى فيها نفسي مكبلا بالأغلال الحديدية والجن الذي يتملكني يمسك بسكينه ملوحا أمامي وهو يلبس لباسا أحمر فأقوم مفزوعا من نومي ، واسأل أمك عن حالي منذ رحيلك. التفت رشيد إلى أمه رآها تحرك رأسها في حركة عمودية ، وعلى وجهها ملامح الحسرة على زوجها الذي لم يستطع أن يلبي رغبته الملحة منذ سنين في إقامة حفل ( كناوة) للظروف المادية الصعبة .أقسم رشيد على أن يقيم الحفل لأبيه بعد أن يهيء كل ما يلزم وأن يدعو كل أهل الحي للحضور ، ولأن منزلهم لن يتسع لحفل بهذا الحجم ، فسوف يقام الحفل في أكبر منزل في الحي ، وهو مستعد إن اقتضى الحال أن يكتريه من صاحبه تلك الليلة...ثم تهييء كل شيء : الجلباب الأحمر، والسكين والبخور و التمر والحليب وتم الاتفاق مع الفرقة الموسيقية ...وهاهي الآن تدخل المنزل الكبير الذي تجمهر فيه الرجال والنساء كالعادة جميع أعضاء الجوقة سود ، يلبسون لباسا متشابها ،مميزا يغلب عليه اللونان الأسود والأحمر،دخلوا بطبولهم وآلاتهم الموسيقية التقليدية يتحلق الجميع حولهم ثم أفسح لهم الطريق ليجلسوا في المكان المخصص لهم ، طلب أعضاء الفرقة أن تخلع النعال ، نزولا عند رغبة الجان الذين سوف يحضرون ، خلع كل الحاضرين نعالهم في رهبة .كان العزف خافتا في الوهلة الأولى، توجه أثناءه أعضاء الفرقة لطبق التمر الموضوع على الطاولة فأمسك به بيده اليمنى وأخد يعرضه على كل الحاضرين واحدا واحد وكان لزاما على كل شخص تمتد يده للطبق أن تكون بيده الأخرى قطعة نقدية يلقي بها في طاقية الرجل التي أمسك بها بيده اليسرى وهو لايكف عن الدعاء لهم بالرزق الوفير والخير الكثير،وتفريج كل هم كبير أو صغير،كان رشيد هناك في مكان يحادث أخوته وأمه ويمدهم بالنقود التي سوف يعطونها للفرقة حتى ينالوا البركة... فجأة وبعد أن انتهى عضو الجوقة علا صياح الفرقة إيذانا بحضور الجان ،كان أول الداخلين لصحن المنزل الفارق بين الفرقة والجمهور محجوبة : المرأة الهادئة التي هجرها زوجها من مدة بعد أن تزوج غيرها استغرب الجميع حركاتها التي غيرت حتى ملامحها، نعم محجوبة تغيرت،لقد سكنها جني مؤخرا ، وهاهو يحركها كما شاء ،فتقفز تارة وتجثو تارة أخرى وهي تؤدي حركات سريعة برأسها المنحني حتى إن منديل رأسها انزاح وبدت خصلات شعرها تلامس الأرض وكأنها سياط .كل النسوة تأسفن على محجوبة المسكينة التي تطلب الانعتاق من الجن باكية وقد وضعت يدها وراء ظهرها وكأنها مقيدة، إلى أن سقطت مغشيا عليها، تكفل بعضهن بإيقاظها وإنعاشها بينما توالى بعض الأشخاص على الصحن ...وقف أبو رشيد وسط المتحلقين يحدق بعينيه عابسا كعادته ، لم يكن أحد ليجرؤ على محادثته وهو على تلك الحال، كان يبدو متشنجا، أخد يتنفس بعمق البخور الذي عمت رائحته المنزل، فجأة اندفع بعنف جهة الفرقة الموسيقية التي ارتفع إيقاع آلاتها ،نظر رشيد إلى والده وهو يترنح ذات اليمين وذات الشمال، لكن ليس بنفس الخفة التي عهده عليها منذ زمن ، لم تمض دقائق حتى ارتفع صوت الوالد مطالبا بالجلباب الأحمر ، تقدم رشيد وفي يده الجلباب التي جهزت للغرض، وألبسه إياها بصعوبة لعدم كف الوالد عن أداء حركاته تلك.مر وقت على ذلك ورشيد وأمه وإخوته يرقبان الشيخ وهو يعيش عالما آخر.تغيرت ملامحه ،وبدأ يؤدي حركاته بخفة أكثر ،إنه الجني، نعم، لقد لبسه الجني ،وهاهو يصرخ طالبا سكينا كعادته ،الجن الذي يسكنه يعشق اللون الأحمر ويعشق الدم ولن يدعه في سلام حتى يلبي العجوز طلبه بتجريح جسده وإخراج بعض الدم منه،كان رشيد قد هيأ السكين الذي أحضره معه من إسبانيا والذي كانت نقرة خفيفة به كفيلة بالغرض،قدمها لوالده الذي أمسك بها وبحركة خفيفة مرر بحدها على معصم يده اليسرى،ابتسم رشيد وإخوته وتنفست زوجته العجوز الصعداء فقد أحست بانعتاق زوجها من أسر الجني الأحمر بعد أن لبى طلبه ، تراءى لها زوجها وقد عادت له العافية بعد أن تخلص من جنيه العنيد الذي حكم عليه بالعجز ...أما أبو رشيد فقد ظل هناك يقوم بحركاته على إيقاع ( كناوة) دون أن يكل .فيما كان الدم القاني ينزل على جلبابه الأحمر ، والفرقة الموسيقية يعلو صوت موسيقاها والشيخ يرقص ويرقص ويرقص ...إلى أن سقط..سارع رشيد وبعض الرجال لإنعاشه، كانت كل الأيدي التي أمسكت بالشيخ ملطخة بالدماء ، وعيناه الجاحظتان معلقتان بالسماء ،أما فرائصه وأطرافه فقد بدت باردة كالثلج ، تحسس رشيد صدر والده لم يحس بأية حركة ، كان الشيخ قد فارق الحياة... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:51 pm | |
| الكلمة الضائعة من أول يوم تخطيت فيه عتبة المنزل في اتجاه الحي، وجدته هناك عند باب منزله قابعا على كرسيه الخشبي، مستندا إلى عصاه ، ماسكا سبحته موجها إليها في منحى واحد...أتذكر أنني أول ما رأيته انتابني خوف مريع ،ربما لأنه كان يحمل العصا التي كانت رمزا للعقاب في مخيلتي الصغيرة ، أو لعل السبب هو تلك اللحية البيضاء المنسدلة على صدره، والتي كانت تذكرني بحكايات جدتي عن الجن والعفاريت...لكنني سرعان ما تخلصت من ذلك الشعور أول ما حادثني الشيخ تلك المحادثة التي أنشأت بيننا علاقة من نوع خاص ، لأتبين بعد ذلك أن العلاقة نفسها أنشأها الرجل بينه وبين كل أطفال الحي لم ينهرنا يوما، ولم يشكو حماقتنا الصغيرة لوالدينا كما يفعل كل الكبار، بل كان يتحدث إلينا كما يتحدث إلى الرجال من أهل الحي .كانت جلسته اليومية على باب منزله ،تنبئ بوحدة قاتلة يعيشها الشيخ ، أتذكر أننا في إحدى جلساتنا الحميمية مع الشيخ سألناه عن زوجته ،أخبرنا أنها ماتت ...لم نكن نفهم معنى الموت الذي كنا نربطه بالذبح ... لأننا جميعنا رأينا خروف العيد يموت بعد أن يذبح...حاول الشيخ أن يفهمنا أن موت زوجته لا علاقة له بالذبح ، لكن عقولنا الصغيرة لم تكن تتسع لتلك التفسيرات ... نسينا الأمر، ورحنا نلعب وفي غمرة لعبنا كنا من حين لآخر نسترق النظرات للشيخ لنجد عينيه تكادان تنطقان من نظارتيه السميكة ونحن نقفز ونجري ... كان صديقا من نوع خاص ،كل ما كان يستعصي على فهمنا مما يضن الكبار بتفسيره لنا بحجة أننا ما زلنا صغارا يحاول الشيخ إفهامه لنا بطريقة مبسطة قد تستجيب لها أذهاننا وقد لا تستجيب ... لكن ميثاقا ضمنيا كان يحكم علاقتنا بالرجل كان علينا الالتزام به ، إذا نحن أردنا كسب صداقته التي كانت تعتبر في سننا فتحا ، ذلك أنه كان علينا ألا نتخاصم وألا نفكر في أية لعبة تجر الخصام ...أتذكر وجهه يوم خرج من المنزل كعادته ممسكا بالكرسي الخشبي الذي رمى به جانبا حين رمقنا متحلقين حول طفلين يتلاكمان...لقد بدا لنا شخصا آخر أشبه بوالدنا أو بفقيه الكتاب الذي كان ينهال علينا بضرباته اللاسعة بسبب وبدون سبب ...أخد الشيخ يلوح بعصاه مناديا علينا ،صارخا في أوجهنا متوعدا ... أذكر وقتها أن بدني اقشعر وأنا أنظر إليه،أحسست وقتها كما أحس باقي الأطفال أننا أمام شخص آخر قد يشكونا لوالدينا، بل قد ينقض علينا بعصاه تلك في أية لحظة ... حساس رهيب تملكنا من خوفنا من أن نكون فقدنا الصديق الذي يصلنا بعالم الكبار ...لكن وبعد أن توقفنا من اللعب سرعان ماعاد الشيخ لدعته وعطفه ...جعلنا نقسم أننا لن نلعب تلك اللعبة بعد ذلك اليوم لم نكن نفهم معنى القسم ، لكننا عزمنا جيمعنا على عدم معاودة اللعبة التي كادت تعصف بصداقتنا معه... ذات صباح صحونا فلم نجد الشيخ ، بعض منا سمع الكبار يتحدثون عن موته ابنه ، ولأننا لانعرف شيئا عن ابن صديقنا الذي لم نره يوما مع أبيه ،ولأن الموت كان بالنسبة لنا أمرا شنيعا جدا ،فإننا انتهزنا فرصة عودت الشيخ لمكانه حتى نمطره بوابل من الأسئلة. كان يبدو حزينا شاردا وهو يحدثنا عن ابنه الذي عاش بعيدا عنه ولم يره منذ زمن إلى أن مات بعفوية بادرت قائلا:ـ هل ذبحوه؟نظر الشيخ إلي نظرة من يسمع الكلمة لأول مرة فقال بلهجة التأكيد :ـ نعم لقد ذبحوه ،ذبحوه ،ذبحوه،معك حق ذبحوه...أخد يكرر الكلمة التي استمرأها كمن وجد ضالته ... غمرتني فرحة أخفيتها آنذاك وأنا أحس بأنني قدمت لصديقي كلمة بحث عنها كثيرا وأنا الطفل وهو الكبير ...وفي حمأة زهوي سألته عمن ذبح ابنه فأجابني بكلمة لم أفهمها ،كلمة نشاز لم أسمعها يوما ،لم يكلف الشيخ نفسه عناء تفسيرها رغم إلحاحنا أنا وباقي الأطفال على معرفتها لأول مرة يجيبنا بنفس إجابات الكبار :ـ ستفهمونها عندما تكبرون...رحلنا أنا وأسرتي عن الحي ، كبرت وبدأت أتحدث إلى الكبار وبدأت كل أسئلتي تجد جوابا لها عندهم ،لكن صورة الشيخ أبدا لم تفارق ذهني خصوصا عندما تضيق نفسي بأسئلة الأطفال الصغيرة . من شرفة العمر بدأت أكبر ذلك الرجل، الصديق القديم بعد أن واراه التراب ... وأحسست بمدى سعت صدره وصعوبة ماكان يقوم به ...وفي إحدى جلساتي إلى الوالد ،ورد ذكر الشيخ عرضا، بطريقة ما جعلت الوالد يجيب على سؤال لم انطق به وهو من هو ذلك الشيخ؟حدثني عن زوجته التي توفيت بعد أن خلفت له ابنا هاجر إلى أمريكا حيث انضم لأحد النوادي الرياضية التي تهتم بتدريب الملاكمين والمراهنة عليهم في حلبات الملاكمة ، هناك اثبت جدارته وكان يلقب بالزنجي وما كان ماوصل إليه من مجد ليرضي والده الشيخ الذي كان يرفض كل المساعدات المادية التي كان يبعث بها إليه، ويقول إن اللقمة التي تمزج بدم الآدميين حرام...بقي الشيخ على حاله تلك الحال سنين إلى أن أتاه خبر مقتتل ولده في ذلك البلد البعيد بإحدى المستشفيات متأثرا برضوض في جمجمته أدت إلى نزف داخلي حاد على يد ملاكم أقسم أن يهزمه بالضربة القاضية ... كان والدي يتحدث فيما رحلت بعيدا لأجد الأجوبة على الكثير ممن الأسئلة التي ظلت عالقة في ذهني استحضرت عالمي القديم بكل تفاصيله ،بحثت عن الكلمة التي قايضني بها الشيخ وقتها بعد أن مددته بكلمتي...استعصى علي تذكرها ...أحسست أنها ربما ضاعت مني ، بعد أن صرت كبيرا إلى أن أردف والدي قائلا: أتعلم لماذا لقبوه بالزنجي ؟ لقد كان أسود اللون كان يشبه أمه.آنذاك أومضت الكلمة في ذاكرتي ، غمرتني فرحة وأنا بعد كل هذا الزمن أقتنصها ،لقد كان جوابه عن سؤالي عمن ذبح ابنه ، كلمة :" عنصري" أيقنت أن الشيخ كان على حق في رفضه شرحها في تلك الآونة لأطفال اختلفت أشكالهم وألوانهم ... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:52 pm | |
| الثمن بدا ممتقعا ، يرتعد وهو يخترق الشارع تتخاله بقامته الطويلة ووجهه الشاحب وحركاته عمودا كهربائيا قادرا على أن يردي كل من اقترب منه قتيلا، كانت وجهته واضحة بعد أن سمع المتحدث في الهاتف، تمنى لو يلقاها أمامه الآن.هو قادر على أن يقتلها ،أنن يخنقها ...لكن سرعان ماطرد الفكرة من مخيلته ، عليه أن يتحقق ... ولن يدينها قبل أن يتحقق .باتت الطريق طويلة ، رغم أنه يسرع وأنفاسه تكاد تنقطع ربما هو حكم الزمن الذي اختطف سنين عمره دون أن يحس سنين الغربة التي قضاها وحيدا هناك في المملكة السعودية ،تقول زوجته إن غيابه لم يؤثر على تربية بنتيه، هي قامت بتربيتهما على مكارم الأخلاق كما لوكان موجودا ، كان يغيب ليعود مرة كل سنتين، ويجد كل شيء على مايرام ، زوجته مازالت تلك المرأة الطيبة الصامتة التي تفيض حبا وعطاء وصبرا ،أما فلذتا كبده فيجدهما أطول وأجمل ويحس بنشوة وهو يسمع منهما خبر نجاحهما كل سنة ، ذاك كان عزاؤه وتعويضه عن فراقهما وفراق زوجته ...استهلكته الوحدة هناك ، وحدة ماكان يخفف منها سوى إحساسه بأنه يجاور الرسول الكريم ، ويطأ الأرض التي مشى عليها عليه السلام،وحجه كل سنة ووقوفه بالأماكن المقدسة داعيا لنفسه ولأسرته الصغيرة بالصلاح والستر ...فما سر هذا الهاتف الذي أحاله مجنونا ؟توقف لحظة وسط الطريق ، كادت تدهسه سيارة،لم يهتم ، تابع سيره حتى الرصيف المجاور ...توقف ثانية وهو يهمهم :ـ ( ربما تكون المكالمة من متطفل يحاول خلق المشاكل...لكن صوت الرجل كان رصينا ، أخبرني بتفاصيل تحركاتها هو يعرف اسمها ورقم هاتفها ووقت خروجها ودخولها للمنزل ... قال إنها تتحجج بالذهاب للجامعة ، في حين أنها تذهب لمقابلة...لايمكن نابنتي طاهرة ،وجهها ملائكي ،لم تربها أمها على الكذب لكن لم أطالبها يوما برؤية شواهد النجاح ؟ وكنت أكتفي بتصديق قولها...أيعقل أنها غير مسجلة بالجامعة ؟...أيعقل انهلا فاعلة ما تفعل كما يقول الرجل ...ولماذا؟...علي أن أتحقق من الأمر ...علي أن أتحقق ...)انطلق مهرولا ممن جديد ، كادت الدموع تنزف من عينيه وهو يتذكر صلواته وتضرعاته لله بان يحفظ أسرته من كل سوء ...حياته ،زهرة عمره صحته ،كل ذلك يمكن أن يكون قد ذهب هباء ...سعى ليجمع المال ليبعث به أسرته الصغيرة ،حتى تعيش في أمن من غائلة الزمن ...كان عليها أن تكون بارة... أن تقدر تضحيته ،أحس بأن حلقه قد جف ، وهو يسأل أحدهم عن مصلحة شؤون الطلبة ،هو يتذكر أنها أخبرته غير ما مرة أنها تنتمي لشعبة الدراسات الإسلامية وهذا ما كان يثلج صدره ، كان يشعر بالارتياح وهو يسمعها تحكي له عن تفوقها كل سنة على أقرانها ممن يدرسون وإياها القرآن والحديث وعلوم الدين الإسلامي.شعر بركبته تصطلكان وهو يمسك بقضبان الشباك منتظرا بلهفة ما سيقضي به الله ، طال الانتظار وصارت كل أطرافه ترتعش وهو يخال نفسه سجينا ،ود لو كسر تلك القضبان الحديدية مقتحما غرفة الموظفة التي انهمكت في البحث في لوائح المسجلين عن اسم ابنته،ظن للحظة أنها تتعمد حبسه وراء الشباك إلى أن سمع صوتها:ـ آسفة ياسيدي ، هذا الاسم عير وارد في قائمة المسجلين بهذه الشعبة وهو غير وارد أيضا في سجلات الشعب الأخرى بهذه الكلية .ـ أأنت متأكدة؟قالها بصوت كالحشرجة ، صوت أحس به يمزق حباله الصوتية.ـ تمامم التأكيد ياسيدي .التصقت يداه كالدبق على القضبان الحديدية ..شردت عيناه المحمرتان وبدا كمن سمع حكم الإعدام في قه ،أظلمت الدنيا في عينه ، وظل كذلك مدة طويلة ...كان يفكر فيما هو فاعل بها ...تقاطرت فصول حياته على مخيلته كالسيل ... أدرك حينها أن لسعيه في إثر المال ثمن آخر غير عذاب الغربة ،وحرقت الفرقة لقد كان عليه أن يبذل من عرضه... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:53 pm | |
| أبوة كانت في طريقها إلى العمل ككل يوم ، ممسكة بكيس بلاستيكي وضعت فيه بعض الطعام الذي جهزته ليلا ،اننتابتها قشعريرة وهي تسمع صوتا يردد اسممها ، اسممها الذي كادت تنساه فمنذ زمن لم ينادها أحد به ...تابعت هرولتها وصدى الصوت مازال يتردد على سمعها يذكرها بزوجها الذي كانت له نفس النبرة،تغيرت ملامحها وشريط ذكرياتها يمر قبالتها كالبرق توالت الصور الواحدة تلو الأخرى أمام عينيها ،تذكرته عازما على الرحيل بعيدا عنها ، تذكرت دموعها التي ما فترت حتى وهو يطلب منها أن تكون ابتسامتها هي آخر ما يراه في أرض الوطن ...تذكرت أيضا يدها التي علقت بيده دون إرادتها والمضيفة تخبر بقرب إقلاع الطائرة،لذلك الحين وهي لا تصدق أنه استطاع الرحيل بعيدا عنها من أجل حفنة مال ...كان عزاؤها هو ذلك الوعد الذي قطعه أمامها بأنه سوف سيتقدمها إليه بمجرد أن تستقر حاله ،لننه لم يبعث سوى برسالتين : الرسالة الأولى كانت ترزح بالشكوى من الغربة وقساوة الحياة بعيدا عنها ردت عليها برسائلل عديدة ولم تتلق منه أي رد ، حتى عاطفة الأبوة لم تصح لديه بعدما أخبرته أنها تنتظر طفلا منه، بل كان الرد أعنف رد يمكن أن تتلقاه امرأة وهو رسالة محطة بورقة الطلاق التي أحرقت ماتبقى بينهما :من يومها تحملت الكثير من أجل لقمة العيش ...تابعت هرولتها وكأنها تريد أن تتخلص من صدى الصوت الذي أغرقها في كل تلك الصور والذكريات المريبة ، لكنها فجأة أحسست بيد تنقر نقرة خفيفة على كتفها ، التفتت وجدت وجها فاجأها وجوده ...نعم هي تعرفه ، إنه هو ...للم يكنن الصوت إلا صوته ، تغيرت بعض تضاريس وجهه لكنه هو ...تسارعت دقات قلبها وانعقد لسانها ...انبعث صوته من جديد كمدفع رشاش يمزق ما تبقى منها ...تحدث كثيرا اختلط حديثه بذكرياتها ، اختلطت كل الصور في مخيلتها وهو يحدثها عن قساوة الظروف التي عاشها بعيد رحيله والتي كانت سببا في زواجه من العجوز السويسرية التي اشترطت عليه تطليق زوجته الأولى لأن القانون هناك يمنع الزواج بأكثر من امرأة ،حدثها من ناره التي لن تهدأ إلا برؤيته ابنه بعد كل سنين الشوق التي قضاها بعيدا عنه ...طلب منها أن تحدثه عن مدى احتياجه لهذا الابن الذي يريده أن يكون مديرا لمشاريعه بلهجة صارمة ردت عليه :ـ حتى عند عودتك ،تريده أن يكون عونا لك لماذا لم تفكر أنه يمكن أن يكون في حاجة إليك ؟ارحل مثلك لا يستحق أن يكون أبا. حاول أن يعقب على كلامها ، لكنها انصرفت متابعة هرولتها ولأول مرةة منذ سنينن تحول اتجاهها وتعود أدراجها للمنزل ، كان الحدث فوق احتمالها ، لذلك فتحت الباب ودخلت بسرعة في اتجاه غرفة ابنها الذي كان مستلقيا على السرير عانقته بشدة ، كان يسألها عن سبب رجوعها عندما رأى رجلا يقتحم الغرفة متجها نحوها ، أحس بخوف وهو يسألها عن الرجل،أجابته دون تردد والدموع قد أغرقت صفحة وجهها :ـ إنه أبوك .سارع الوالد لاحتضان الابن الذي لم يحرك ساكنا ،بل دفع بلطف جثة الوالد عنه وأشاح الغطاء عن رجليه العاريتين ...شدة الوالد وهو يرى ابنه يشبهه في كل شيء إلا رجليه اللتان بدتتا ضامرتين لاتتنبآن بوجود حياة فيهما... بدا الوالد يحدق في رجلي ابنه مفجوعا فيمما كانت نظرة الابن نظرة تحد واضح ...لم يستطع الأب أن يصمد أمامها وانسحب مهمهما واعدا بالمساعدة ...فيما راحت الأم تحدق في عيني ابنها التي ارتسمت فيهما الصورة الأولى والأخيرة لأب لن يعود بعد ذلك اليوم ... | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:53 pm | |
|
السراب أحس بنوع من الخجل وهو يخطو عتبة المنزل الذي تنبعث منه روائح البخور الزكية سامعا كلمات المباركة والتهنئة مضطرا لأن يجيب كعادة كل العرسان ليلة الزفاف :ـ بارك الله فيكم ، جزاكم الله عني كل خير .كان يعلم ان عيون كل من المدعويين تتجه نحو شعيراته البيض التي بدأت بجرأة عنيدة تكتسح رأسه هو نفسه يحرجه ذلك ،لأنها تذكره بأحلى سنين العمر المنقضية التي انفلتت من بين يديه دون ان يس بها .أمضاها في تلك المدينة الباردة هناك مع كارولين التي كان زواجه منها حلا لمشكلة الإقامة في ذلك البلد بعد أن أتم دراسته الجامعية ... كارولين التي كانت تحمل في ملامحها شيئا،بل أشياء من مدينتها ،بأساريرها الجامدة بصمتها الذي يخفي كل انفعالاتها ،بلونها الشاحب ببرودتها...كثيرا ما يخال أنها تضع قناعا وحيدا على وجهها لا تغيره أبدا ،هو يذكر أنه لم ابتسامتها طوال حياتهما معا سوى مرتين : الأولى يوم عرض عليها الزواج في مقصف الجامعة ، والثانية يوم أنجبت طفلها الوحيد يوسف أو جوزيف كما يحلوا لها أن تناديه ن هو ايضا أحس أنه بمرور الزمن تغير ، ربما هي المعاشرة التي حولته من رجل تغلي في عروقه الدماء العربية الثائرة إلى رجل هادئ ساكن في الكثير من الأحيان ومع كل هذا كان يحس أن كارولين تلك امرأة مختلفة عن النساء الأوربيات فقد رضيت أنن تستغني عن العمل بمجرد أن تيقنت من وجود جنين في أحشائها ، الفكرة في الأصل فكرته فلطالما حلم بزوجة تلزم المنزل ، وترعى أبناءها ، وفي المقابل هو مستعد لبذل كل جهده من أجلل إسعادهم :لكنه ما كان ليحقق حلمه ذاك لولا تفهم كارولين التي كفته مشقة رعاية الطفل بتوفيرها كل وسائل الراحة والاهتمام له،أما هو فقد كان العمل يقتطع معظم وقته من أجل أن يلبي طلبات زوجته وابنه الذي بدت ملامح النجابة تبدو عليه ، علم ذلك من خلال نتائج أخر السنة التي كانت تخبره بها .. كبر الطفل وتعلم أشياء كثيرة تحت إشراف والدته تعلم لعبة التنس ن والسباحة وتعلم تشغيل الأنترنت وأشياء أخرى كثيرة...بالصدفة يوما حضر مبكرا وأراد الاطمئنان على ابنه الذي لم يره منذ الأسبوع الماضي طرق الباب ودخل غرفة نوم يوسف حيث وجده أمام أيقونة العذراء يرتل أدعية ويرسم صليبا على جسده بإيماءة من يده... تسمر في مكانه ، أحس بالدم القديم يجري في عروقه ... بلغة مرتجفة خاطب ابنه يوسف:ـ ماذا تفعل؟أجابه:ـ أصليما كان صراخه كثور هائج ، ولا وسائل إقناعه التي حاول تقديمها للأم والابن لتجدي نفعا بعد أن فات الأوان ... فهم متأخرا أنه لم ينجب يوسف وإنما أنجب جوزيف كما قالت كارولين التي غرست في طفلها بذرة تغلغلت جذورها لأبعد مما تصور ...كان عليه أن يعود إلى ارض الوطن بعد أن لملم حقائبه، وأتم إجراءات الطلاق، بعد أن فضل جوزيف البقاء هناك إلى جانب كارولين ...عاد إلى هنا ليبتدئ حياة جديدة بشعيراته البيض ،وليسمع كلمات المباركة والتهنئة في خجل بعد أن عزم على الزواج من ابنة عمه العانس التي كانت يوم رحل لأوروبا من أتقى بنات العائلة وأجملهن..عاد أملا أن ينجب هاهنا يوسف من جديد ، أن يعيش حياة كان عليه أن يعيشها منذ زمن قبل أن يتيه ويخلف ظلا شاردا في الضفة الأخرى. | |
|
| |
admin مدير المنتدى
عدد الرسائل : 733 تاريخ التسجيل : 27/03/2008
| موضوع: رد: الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. الخميس نوفمبر 29, 2012 3:54 pm | |
|
الإدريسية بعينيها الغائرتين ، كانت من حين لآخر تلقي بنظرة على وجه العروس ، زوجة أخيها الأصغر، كانت تتلقى تهانئ كل المدعوين بابتسامتها التي تنم عن حزن غائر في ثنايا روحها كان حفل الزواج مناسبة لأن تتذكر كل الرجال تقدموا لخطبتها منذ زمن بعيد وقت كانت في سن زوجة أخيها ، هي أيضا كانت جميلة وكباقي الإناث تحلم بالزوج والحياة السعيدة لكن حلمها ذاك أهالت عليه الوالدة ثراب الرفض رفض كل رجل يمكن أن يتقدم للإدريسية الفتاة البارة التي لم تعبر عن رغبتها في الزواج خوفا من أن ينالها سخط الوالدة التي تعتمد عليها في كل شيء يخص المنزل وأعبائه الثقيلة ، حظها العاثر جعلها تكون الإبنة البكر ضمن خمسة أخوة كلهم ذكور اعتبرتهم أبناء لها .. كان إحساسها بأنها أصبحت رجلا في ثياب أنثى ،وان جسدها بات كقطعة خشب صلبة باردة يقتل أحلامها الأنثوية التي انزوت بعيدا مع مرور الزمن واستعاضت عنها بأحلام جديدة وهاهنا آخر حلم لها يتحقق برؤيتها الأخر الأصغر إلى جانب عروس سعيدا ،سيرحل الليلة عنها تاركا إياها وهي التي طالما حنت عليه واعتنت بمتطلباته وخدمته كما خدمت باقي إخوتها ..بقيت الإدريسية وحيدة وأمها ولم يكن ليخفف من وحشتها سوى زيارة بعض أطفال الحي لها حيث تهيئ لهم الحلوى ، وتتمتع برأيتهم يلعبون في صحن المنزل .وإطلالة الأخ الأصغر الأسبوعية صحبة زوجته التي بدت أعراض الحمل تبدو عليها ، وكان عليهما معا أن يفكرا في من يهتم بالطفل بعد إنجابه ، لظروف عملهما، ولم يجدا أنسب من الإدريسية التي وافق اقتراحهما رغبة في نفسها ،لذلك بدأت تراقب بطن زوجة أخيها بإعجاب وحنو ،كانت تخالها شفافة،تستطيع أن ترى ممن خلالها الجنين غارقا في صمت وظلام دامس ، ينتظر مثلها بفارغ الصبر أن يرى النور قريبا .كان الشوق أكبر من الإدريسية التي بدأت تعد الأشهر إلى أن أتى اليوم الموعود،يوم وضعت الأم الطفلة بين يدي الإدريسية، وقتها أحست بقشعريرة خاصة تسري في جسدها ، برعشة غريبة تجتاح أوصالهها وهي تلامس بشرة الصغيرة أسماء الناعمة الملمس.. للحظة خافت الإدريسية أن تجرح الطفلة أو تؤديها بيدها الخشنتين هي لم تعهد تلك الخلجات التي غيرت دقات قلبها وجعلت أحاسيسها تورق وتزهر... قلعت زيارة أطفال الحي لمنزل الإدريسية لأنها أصبحت في شغل عنهم ،فقد ملكتها الطفلة أسماء التي بدأت تتعلم الكلمات الصغيرة وأهدت ببراءة كلمتها الأولى ( ماما ) لمن ترعاها ليل نهار ،كلمة أشبعت رغبة غائرة في نفسها قتلها احتواء الوالدة التي كانت سببا في حرمانها من أن تكون أم وزوجة ،دبيب حياة ندية تسرب لظمإ الإدريسية التي تخلصت من تلك الأسئلة المقيتة التي كانت ترتمي على وسادتها ،أسئلة لا إجابات لها كانت تحتظر على حافتي شفتيها ، فلماذا رفضت الوالدة تزويجها ، وقد تقدم لخطبتها رجال تتوفر فيهم كل الشروط ؟وهل فكرت في مصيرها بعد زواج كل إخوتها ... ولماذا لم تعترض سبيل إي من إخوتها الذكور؟... أسئلة مسمومة كانت أنفاس أسماء الزكية وكلماتها الصغيرة وخطواتها كفيلة بمحوها وإبعادها ... إلى أن أتى يوم من أيام الزيارات الأسبوعية التي اعتاد فيها الزوجان زيارة ابنتهما ،كان وجه الأم أكثر تهلل وإشراقا كانت تعانق الطفلة وكأنها تعانقها لأول مرة عاتبتها بلطف ، لكنها لأول مرة تعاتبها لأنها تشرك الإدريسية في مناداتها ( ماما ). أحست الإدريسية أن أمرا ما يعتمل في صدر الزوجين ،وكانت على حق فهاهي زوجة الأخ تردد كلمة الرحيل مقرونة باسم أسماء .امتقع لون الإدريسية وهي تنظر للطفلة بين يدي أمها ، احتواها رعب مريع وهي ترى الطفلة أقرب إلى أمها منها . وبينما كانت الأم تتحدث عن سعادتها وسعادة زوجها لأنهما سوف يرحلان للعمل بشركة أوروبية ..هامت الإدريسية في عيون أسماء البريئة وتقاسيمها التي محت آلامها وأنبتت أحلاما جديدة .لأول مرة تعي الإدريسية أن أسماء ليست ابنتها كان حديث الأم صفعة أيقظتها بعد أن قاربت الطفلة سنواتها الست .عجز أحست به العانس وهي لا تستطبيع أن تصرخ في وجههما : ـ ارحلا ودعاني وابنتي .دمعة غالبتها الإدريسية وهي تردد بصرامة مفتعلة : ـ متى ترحلون ؟أجابتها الأم بعينين حالمتين : ـ الأسبوع القادم إن شاء الله .طوال الأسبوع لم تنطق الإدريسية ببنت شفة ،كانت تمسك بالطفلة أسماء ،تعانقها وتهمس في أذنيها ببعض الكلمات وتمرر مشدوهة بيدها على شعرها المنسدل..إلى أن أتى يوم الرحيل ، وقتها اكتفت الإدريسية بتقبيل أسماء طالبة منها أن تلوح لها بيديها الصغيرتين مودعة إياها .ركب الزوجان وطفلتهما سيارة الأجرة متجهين نحو المطار . وبقيت الإدريسية كوتد منغرسة في مكانها تكمل حلمها ، تتخيل أسماء وقد كبرت وأينعت، تتخيلها عروسا تختال في ثوب الزفاف سعيدة بحياتها رأت نفسها تقبلها قبلة التهنئة راجية منها المسارعة بالإنجاب...لم يوقظها من حلمها الوردي سوى يد رزحت على كتفيها، كانت يد أمها التي طلبت منها العودة سريعا للمنزل حتى تتمكن من أن تدلك لها مفاصلها قبل موعد نومها ... | |
|
| |
| الظلال الشاردة.. قصص قصيرة بقلم ذ.مليكة الصوطي.. | |
|