(ص 127) تكره الصلاة بين السواري لغير ضرورة، فإن اضطر إليه لضيق المسجد فلا كراهة.
قال مالك –رحمه الله-:" لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد" .
قال الشيخ ابن عرفة – رحمه الله-:" مفهوم المدونة إذا كان المسجد متسعا كرهت الصلاة بين الأساطين" .
فعن معاوية بن قرة عن أبيه – رضي الله عنه- قال:" كنا نُنهى أن نَصُفَّ بين السواري على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ونُطرد عنها طردا" .
وعن عبد الحميد بن محمود قال:" صلينا خلف أمير من الأمراء، فاضطرنا الناس فصلينا بين ساريتين، فلما صلينا قال أنس بن مالك: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"
(ص 128) وفي رواية لابن حبان: قال عبد الحميد بن محمود:" صليت إلى جنب أنس بن مالك بين السواري، فقال: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم-" .
وفي صلاة أنس بين السواري لما ضاق المسجد دليل على أن النهي ليس للتحريم، وأن الكراهة إذا كان المسجد متسعا.
ومحل الكراهة إذا صلوا جماعة، أما من صلى وحده فلا كراهة في حقه، لفعله – رضي الله عنه-.
ففي الحديث المتقدم عن ابن عمر -رضي الله عنهما-:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامةُ بن زيد وبلال بن رباح وعثمان بن طلحةَ الحَجَبيُّ، فأغلقها عليه، ومكث فيها ما شاء الله.
قال عبد الله: فسألت بلالا حين خرج: ما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟.
فقال: جعل عمودا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه - وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة- ثم صلى" .
قال الحافظ أبو بكر بن العربي –رحمه الله-:" ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما مع السعة فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد فلا بأس به، وقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكعبة بين سواريها" .
وعلة الكراهة على الصحيح خوف تقطيع الصفوف، وعليه إذا كانت الجماعة لا تجاوز ما بين الساريتين فلا كراهة.
وقيل: لأنه موضع جمع النعال، فلا يخلو من نجاسة، ورُدَّ بأنه محدث.
قال عبد الرحيم العراقي:" من كره الصلاة بين الأساطين إنما هو في صلاة الجماعة، لأن الأساطين تقطع الصفوف، فأما من صلى بينها منفردا، أو في جماعة وكان الإمام هو الواقف بينها، أو المأمومين ولم يكثروا بحيث تحول الأسطوانة بينهم، فلا أعلم أحدا كرهه" .
االهوامش:
- الموضوع منقول من كتاب: "صفة الصلاة وأذكارها كما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وفهما سلف الأمة"؛ لـ:
د/ موسى إسماعيل، أستاذ الفقه الإسلامي بكلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، ط1، 1425هـ/ 2004م، الدار العثمانية للنشر والتوزيع، المدنية، الجزائر. (ص: 127/128)
- السواري: جمع سارية، وتسمى أيضا الأسطوانة، وهي العمود.
- المدونة (1/102).
- انظر تاج الإكليل (1/106).
- حديث صحيح.
- حديث صحيح؛ أخرجه أبو داود (1/180 رقم: 673)، والترمذي (1/443 رقم: 229) وحسنه، والنسائي (2/94 رقم: 821)، وابن حبان (5/596 رقم:2281)، و سحنون في المدونة (1/102).
- متفق عليه.
أخرجه البخاري ( 1/121 رقم: 505)، ومسلم ( 2/966 رقم: 1329).
- عارضة الأحوذي (2/28).
- طرح التثريب في شرح التقريب (5/142).