وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين، فلم يكن ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم أصلا، ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن، وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعل ذلك هو ولا أحد من خلفائه، ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضا من السنة بعدهما، والله أعلم. وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها، وأمر بها فيها، وهذا هو اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل على ربه يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلَّم منها انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف، بين يديه والقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه والإقبال عليه ثم يسأله إذا انصرف عنه؟ ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي، إلا أن هاهنا نكتة لطيفة، وهو أن المصليَّ إذا فرغ من صلاته، وذَكَرَ الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة -عقيب الصلاة- استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم -بعد ذلك- ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية، لا لكونه دبرَ الصلاة، فإن كلَّ من ذكر الله وحمده وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم استحب له الدعاء عقيب ذلك كما في حديث فَضالة بن عبيد: " إذا صلى أحدكم فيبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بما شاء" قال الترمذي: حديث صحيح.
زاد المعاد في هدي خير العباد: شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكرا لزرعي الدمشقي. مؤسسة الرسالة:ط6.1404هـ 1984م ج:1 ص:257-258.