إليكم المقالة التاسعة والأخيرة للشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله والتي نشرت في مجلة البصائر: س1 عدد 29 الجزائر يوم الجمعة 5 جمادى الأولى 1355هـ الموافق ليوم 24 جويليت 1936م، الصفحة 3 في العمود 3.
-5-
حقا لقد صارت مسألة السنة في تشييع الجنازة – وهي الواضحة الجلية- ذات ذيول ففضيلته قد جعل لفتواه تذييلا فلا تأصيل ولا تدليل، ونحن - بحكم العدوى الكتابية- قد جعلنا لردنا عليه هذا التذييل، ولكنه لم يخل من دليل.
كل ما يريده فضيلته هو بقاء تلك الحالة المنكرة البشعة من تشييع الجنائز التي نشرنا فيما مضى بيان بعض الكتاب من إخواننا التونسيين عنها، وهو يعلم أن لا بقاء لها إلا ببقاء تلك الفئة من (المروقية) قائمة بها، وإنها لا تقوم بها إلا بثمن فَلْيُفْتِ حينئذ فضيلته- و لا بد- بتحليل ذلك الثمن وجواز أخذ الأجرة على القراءة، فلذا قال في تذييله:" وأما أخذ الأجرة على قراءة القرآن فاعلم أن أخذ الأجرة على القراءة جائز باتفاق الأئمة الأربعة".
باتفاق الأئمة الأربعة! هذا باطل ما دعا إليه وحمل عليه إلا الحرص على بقاء هذه البدعة والعياذ بالله، والحقيقة هي أن الحنفية والحنابلة – كما هو مصرح به في كتبهم- لا يجيزون الأجرة على القراءة وحجتهم على ذلك أن الأجر دفع لأجل حصول ثواب القراءة للدافع لكان القارئ ما قرأ إلا لأجل ذلك الأجر فلم يكن عمله خالصا لله فلم يكن له عليه ثواب، فهو آثم لأنه أكل الأجر بالباطل والدافع آثم لأنه متسبب له في عمل بلا إخلاص وفي ذلك الأكل بالباطل، واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن شبل:" قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم-: اقرؤوا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به". رواه أحمد بسند قال في مجمع الزوائد رجاله ثقاة، ورواه غيره، وأجابوا عن حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-:" إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله". رواه البخاري، بأنه محمول على أخذ الأجر في تعليمه أو الرقية به مما يحصل مقابل الأجر لدافعه جمعا بين الأدلة، وقال بهذا بعض المالكية أيضا، وهو قول قوي – كما ترى- نظرا وأثرا، فأين هو الإجماع الذي يدعيه فضيلته؟.
إلى هنا وجب أن ننتهي من الحديث مع فضيلته، وبقيت لنا كلمة مع جريدة (الزهرة) التي تساءلت عن آداب الإسلام سنقولها لها- إن شاء الله- إذا أبنا من سفرنا مع وفد الأمة الجزائرية إلى باريس، فإلى اللقاء . عبد الحميد بن باديس